آخر تحديث: 12 / 12 / 2024م - 4:00 م

فائدة لغوية «52»: رجب: اسمٌ ودلالة

الدكتور أحمد فتح الله *

يقول ابن منظور في مادة ”رجب“، في معجمه «لسان العرب»، أن شهر رجب سمي بذلك، لأنه كان يُرَّجَب: أي يعظم كما قال الأصمعي، والمفضل، والفراء، وقيل: لأن الملائكة تترجب للتسبيح والتحميد فيه، وفي ذلك حديث مرفوع إلا أنه موضوع ”ليس صحيحًا“.

ورَجِبَ الرجلَ رَجَباً، ورَجَبَه يرجُبُه رَجْباً ورُجُوباً، ورَجَّبه، وتَرَجَّبَه، وأَرْجَبَه: هابَه وعَظَّمه، فهو مَرْجُوبٌ؛ شمر: رَجِبْتُ الشيءَ: هِبْتُه، ورَجَّبْتُه: عَظَّمْتُه. وأَنشد:

أَحْمَدُ رَبّي فَرَقاً وأَرْجَبُهْ «أَي أُعَظِّمُه»، ومنه سمي رَجَبٌ؛

فرَجَبٌ: شهر سموه بذلك لتعظيمهم إِيَّاه في الجاهلية عن القتالِ فيه، ولا يَسْتَحِلُّون القتالَ فيه؛ وفي الحديث: ”رَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمادَى وشعبانَ“؛ قوله: بين جُمادَى وشعبانَ، تأْكيد للبَيانِ وإِيضاحٌ له، لأَنهم كانوا يؤَخرونه من شهر إِلى شهر، فيَتَحَوَّل عن موضعه الذي يَخْتَصُّ به، فبين لهم أَنه الشهر الذي بين جُمادَى وشعبانَ، لا ما كانوا يسمونه على حِساب النَّسِيءِ[1] ، وإِنما قيل: رَجَبُ مُضَرَ، إِضافة إِليهم، لأَنهم كانوا أَشدّ تعظيمًا له من غيرهم، فكأَنهم اخْتَصُّوا به.

الرَّجبان: هما شهرا رجب وشعبان.

التَّرْجِيبُ: التعظيمُ، وإِن فلاناً لَمُرَجَّبٌ.

والتَّرْجِيبُ: ذَبْحُ النَّسائكِ في رَجَبٍ؛ ومنه تَرْجِيبُ العَتِيرةِ، وهو ذَبحُها في رَجَبٍ. يقال: هذه أَيَّامُ تَرْجِيبٍ وتَعْتارٍ. وكانت العربُ تُرَجِّبُ، وكان ذلك لهم نُسُكاً، أَو ذَبائحَ في رَجَب. [2] 

والرَّجَبِيَّة: «العَتِيرة»، هي الذبيحة التي يَذْبحونها في شهر رَجَب ويَنْسُبونَها إِليه.

رجب الأصب

تعددت اسماء شهر رجب حتى وصلت إلى سبعة عشر اسمًا، ومن الأوصاف التي حظي بها هذا الشهر: ”المُرَجَّب“ و”الأَصَم“ و”الأَصَب“.

المُرَجَّبُ هو من التَّرْجِيبِ الذي هو بمعنى التعظيم، كما ذكر أعلاه. ومنه قول الحُبابُ ابن المُنْذِر: ”أَنا جُذَيْلُها المُحَكَّكُ، وعُذَيْقُها المُرَجَّبُ“؛

حسب ابن منظور، يقول الأَزهري: أَما أَبو عبيدة والأَصمعي، فإِنهما جَعلاه من الرُّجْبةِ، لا مِن التَّرْجِيبِ الذي هو بمعنى التعظيم؛ قال يعقوب: التَّرْجِيبُ هنا إِرفادُ النَّخلة من جانب، لِيَمْنَعَها من السُّقوط، أَي إِن لي عَشِيرةً تُعَضِّدُني،

وتَمْنَعُني، وتُرْفِدُني. والعُذَيْقُ: تصغير عَذْقٍ، بالفتح، وهي النخلة.

والأَصَمّ: فاقد السَّمع، والجمع صُمّ وصُمَّان، المؤنث: صَمَّاء، والجمع: صمّاوات وصُمّ وصُمَّان. والشَّهرُ الأصمُّ: شهر رجب لأنّهم لا يتصايحون فيه لحرب. فسبب التسمية ب ”الأصم“ إنه إذا جاء شهر رجب نُزِعت الأسنة من الرماح ووُضِعت الأسلحة وحُقنت الدماء، فكانت له حرمة لا يجوز أن تنتهك، وتسمية رجب بالأصم لهذا السبب فكان لا يُسمع فيه قعقعة السلاح ولا صوت النفير للقتال.

وسُمي شهر رجب بالأصب؛ لأنه يُعتقد أن الله يصب الخير صبًا، فهو خير وبركة من الله تعالى، والأصب مشتقٌ من صبَّ بمعنى سكب وأفرغ، يقال صبَّ الماء يصبُّه صبًّا بمعنى أراقه وسكبه وأفرغه، وماء مصبوب أي مسكوب واسم الفاعل صَبوب وصبيب وصاب والجمع صُبُب، والمصدر صبٌّ، ويُستعمل المصدر بمعنى اسم الفاعل واسم المفعول فيقال: نهرٌ صبٌّ بمعنى صابٌ وصبوب، وماءٌ صبٌّ وخير صبٌّ بمعنى مصبوب. والأقرب أن الأصبِّ هنا صيغة تفضيل[3]  فيكون مثل الأجلّ والأعمّ، فعليه يكون معنى ”رجب الأصب“ هو أنَّه أكثر الشهور التي تنصب فيه رحمة الله على الناس.

 

[1]  وهو ”النسيء“ المذكور في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِه الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّه «سورة التوبة: 37».

[2]  أمَّا التَّرْجِيبُ ومشتقاته بما يختص بالشجر والنخيل، فينظر في المصدر المذكور.

[3]  لأن المصدر الذي يقوم مقام اسم المفعول، وصفُه بالأصبِّ فهو على خلاف القياس، ومثله المصدر الذي يقوم مقام اسم الفاعل، فوصفه بالأصب هو أيضًا على خلاف القياس.
تاروت - القطيف