آخر تحديث: 12 / 12 / 2024م - 6:47 م

فائدة لغويّة «55»: ليس في المعجم!

الدكتور أحمد فتح الله *

”المعجم“  لغةً: هو كتاب يضمُّ مفرداتٍ لغويَّةً مرتَّبة ترتيب ا مُعيَّنًا «عادة حسب ترتيب الحروف في اللغة» وشرحًا لهذهِ المفردات، أو ذكر ما يُقابلها بلغة أخرى، أمّا اصطلاحًا، وهو لا يبعد عن المعنى اللغوي، هو الكتاب الذي يحتوي على شرح المُفردات والألفاظ اللغويّة وتوضيح مَعانيها وصفاتها ودلالاتها. ويُعرف المعجم أيضًا ب ”القاموس“، والذي يعني في اللغة العربية ”البحر العميق“، وسُمِّيَت المعاجم بالقواميس نظرًا لأن الفيروزآبادي سمى معجمه «القاموس المحيط» واشتهر هذا الكتاب حتى اتسعت الدلالة فأصبح كل معجم يُسمّى ”قاموس“.

وظائف المعجم

للمعجم العديد من الوظائف، من أهمها:

إضافة إلى توضيح معنى الكلمة، أو معانيها، والإشارة إلى مجال استخدامها، يقدم المعجم تحديد النّوع الصرفيّ للكلمة «إسم أو فعل أو حرف» والتّمييز بين المذكر والمؤنث منها، وغير ذلك من الأمور الصرفيّة، وفي المعاجم الكبيرة، مثل لسان العرب، تقدم المفردات مع شواهد وأمثلة من الأدب العربي، أكثرها من الشعر، ومن القرآن الكريم والحديث.

ويرى البعض أن من وظائف المعجم ”الحفاظ على اللّغة العربيّة من الفساد والضّياع“. ومن هنا جاءت المغالاة برفض ما يستجد من ألفاظ ومعانٍ بحجة أنها لم ترد في المعاجم العربية. وبغض النظر عن طبيعة التطور التي تمر فيها اللغة، سواءً في المفردات أو التراكيب توسعًا وضيقًا، وغير ذلك، أذكر نقطتين:

الأولى: المعجمي جامع وقد يفوته كثير من المفردات، لذلك نرى من يأتي بعده، أحيانًا يقول: وفاته كذا، أو مما فاته كذا وكذا، ومن أجل هذا ظهرت ما يعرف بكتب 'المستدركات على المعاجم' قديمًا وحديثًا، على سبيل المثال «الاستدراك على المعاجم العربية في ضوء مئتين من المستدركات الجديدة على لسان العرب وتاج العروس٫ لمحمد حسن جبل».

الثانيّة: من الممكن جدًا توجيه أغلب الكلمات الجديدة في الاستعمال «إن لم يكن كلها» معجميًّا؛ أي بناءً على ما تذكره المعاجم من شروحات وشواهد ومعانٍ. فعلى سبيل المثال، أجاز مجمع اللغة العربية في القاهرة «لجنة الألفاظ والأساليب» مؤخرًا مجموعة من الكلمات والتراكيب اللغوية، منها:

تَبَضَّع

تَبَضَّع فلان: بمعنى اشترى ما يلزمه من بضاعة.

وجه الاعتراض: عدم ورود الفعل في المعاجم العربية بهذا المعنى.

وجه الإجازة: هذا الفعل مشتق من الاسم: ”البِضاعة“ بمعنى ”ما يُتَّجر فيه“ و”ما حَمَّلْت آخر بيعه وإدارته“ و”طائفة من مالك تبعثها للتجارة“، ومنه جاء: ”أبضعه البضاعةَ“: أعطاه إياها، ولم يرد تبضَّع بهذا المعنى؛ بل ورد: يتبضَّع العَرَقُ: يسيل متقطِّعًا، وتبضَّع الشىءُ: سال، يقال: جبهته تبضَّع وتتبضَّع، أى تسيل عرقًا. وهي بهذا المعنى أقرب إلى: البضيع: العَرَق، والبَضيعُ: البحر، والبَضيعُ: الجزيرة فى البحر. وهذه وسيلة من وسائل اللغة لاستيعاب المعانى الجديدة.

تبنّى:

تبنَّى كذا: بمعنى اهتمَّ به ورعاه وأَخَذَ به وناصره.

وجه الاعتراض: عدم وروده بهذا المعنى في المعاجم.

وجه الإجازة: جاء في اللسان: تَبَنَّيْتُه؛ أي: ادَّعيت بُنوَّتَه، وتبنَّاه: اتخذه ابنًا، وكلٌّ من المعنيين المُحْدَثَيْن ذو صلة وثيقة وواضحة بما جاء في اللسان.

تَبْطِيْن:

تبطين الترع ونحوها: بمعنى تجليد حوافها بالحجارة والملاط لحفظها من انثيال التربة وتقليص تسرّب مياه الرّيّ.

وجه الاعتراض: لعدم وروده بهذا المعنى في المعاجم.

وجه الإجازة: ”التَّبطين“ مصدر قياسيّ من الفعل الثلاثيّ من مضعَّف العين ”بَطَّن“، ورد في المعاجم بمعانٍ أخرى، والمعنى المحدث معنى صحيح من الناحية الصرفيّة، ويلبي حاجات الاستعمال العربي المعاصر.

الخلاصة:

المعجم ليس هو اللغة، ولا حتى المعاجم مجتمعة، وليس هو المرجع الأوحد لها بل هو مصدر من المصادر للمعرفة اللغويّة، فلا نحكم على كلمة ما دون معرفة أنظمة اللغة وقواعدها.

تاروت - القطيف