آخر تحديث: 6 / 10 / 2024م - 9:39 م

فائدة لغوية «21»: ”نَومَةٌ عَبُّودِيَّة“

الدكتور أحمد فتح الله *

”النَّومَةُ العَبُّودِيَّة“ يراد بها النًّومَة الطويلة على غير العادة، واطلقت مع تدوال المثل العربي، ”نَامَ نَوْمَةَ عَبُّود“، الذي يضرب لكل مَنْ نام طويلًا، أو ثقيلًا، حتى يقال: ”أَنْوَمُ مِنْ عَبُّود“ [1] ، ذكره مع خبره «سببه أو مناسبته» كُلٌّ من أبي الفضل المدايني «ت: 518 هـ» في ”معجم مجمع الأمثال“، وأبو منصور الثعالبي «ت: 429 هـ في ”ثمار القلوب «في المضاف والمنسوب»“ [2] . يقول المدايني:

”قال الشرقي: أصل ذلك أن عبودا هذا كان تماوت على أهله، وقال: أندبونى لأعلم كيف تندبونني ميتا، فندبنه [3] ، ومات على تلك الحال.“ ويضيف المدايني رواية أخرى: ”وقال المفضل: قال أبو سليم بن أبي شعيب الحراني: إنه عبد أسود يقال له عبود، وكان من حديثه - فيما يرفعه عن محمد بن كعب القرظي - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أول الناس دخولا الجنَّة لعبد أسود يقال له عَبُّود [4]  وذلك أن الله تعالى بعث نبيا إلى أهل قرية، فلم يؤمن به أحد إلا ذلك الأسود، وإن قومه احتفروا له بئرا فصيروه فيها، وأطبقوا عليها صخرة، فكان ذلك الأسود يخرج فيحتطب ويبيع الحطب ويشتري به طعاما وشرابا، ثم يأتي تلك الحفرة فيعينه الله عز وجل على تلك الصخرة فيرفعها ويدلي إليه ذلك الطعام والشراب. وإن الأسود احتطب يوما ثم جلس ليستريح فضرب بنفسه الأرض بشقه الأيسر، فنام سبع سنين، ثم هَّبَ من نومته وهو يرى أنه ما نام إلا ساعة من نهار، فاحتمل حُزْمته فأتى القرية فباع حطبه، ثم أتى الحفرة فلم يجد النبي فيها، وقد كان بدا لقومه فيه وأخرجوه، فكان يسأل عن الأسود فيقولون: لا ندري أين هو، فضرب به المثل لكل من نام نومًا طويلًا، حتى يقال: ”أَنْوَمُ مِنْ عَبُّود“ انتهى. «معجم مجمع الأمثال، المدايني، ص 726، صححه الدكتور قصي الحسين، ط1، دار الشمال للطباعة والنشر والتوزيع، طرابلس: لبنان، 1990» [5] .

ويقول ابن منظور «ت: 711 ه» في لسان العرب: ”قَالَ الْمُفَضَّلُ بْنُ سَلَمَةَ: كَانَ عَبُّودٌ عَبْداً أَسْوَدَ حَطَّاباً فَغَبَر فِي مُحْتَطَبِه أُسبوعاً لَمْ يَنَمْ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَبَقِيَ أُسبوعًا نَائِمًا، فَضُرِبَ بِهِ الْمَثَلُ وَقِيلَ: نَامَ نومةَ عَبُّودٍ“.

المثل، بصيغتيه «”نام نومة عبود“ و”أنوم من عبود“» وقصصه ومعناه، يحوي عدة فوائد لغوية، نَمُرُّ عليها في الفائدة التالية.

يتبع...

[1]  وهو أيضًا مثل، انظر هامش رقم [4]  أدناه. وربط الشاعر ابْن الحَجَّاج بين نومة عبود ونومة أهل الكهف، التي جاءت في القرآن، فقال: قُوموا فأَهْلُ الكَهْفِ مَعْ.... عَبَّودَ عِنْدَكُمُ صَرَاصِرْ «تاج العروس، مرتضى الزبيدي، ج8، ص «337». وصَرَاصِر: جمع صُرْصُر، وهو الصوت الشديد المتقطع، للريح وغيره، ومنه ”ريح صرصرة“ أي ريح شديدة مع برودة.

[2]  المثل موجود في المعاجم العربية، مثل: ”مقاييس اللغة“ لأحمد فارس الشدياق، ت: 395 هـ، و”لسان العرب“ لابن منظور «مادة نوم».

[3]  الندب هو البكاء على الميت وتعديد محاسنه، وفعله: نَدَبَ يَنْدُّبُ.

[4]  الشاهد هو قصة ”عَبُّود“ ونومه، وليس صحة الحديث سندًا ومتنًا ومعنًى.

[5]  يذكر المدايني المثل: ”أنوم من عبود“ أيضًا في صفحة 747، والمصحح يقول في هامش اسفل الصفحة: ”انظر أيضًا ثمار القلوب: 142، وأصل المثل أن عبود كان أسودًا حطابًا، بقي أسبوعًا لم ينم، ثم نام أسبوعًا، فضرب به المثل لثقل نومه.“
تاروت - القطيف