مُعتنقو التّشاؤم وحكاياهم
عاشت نعامة كسولة بصحبة مجموعة من الحيوانات كان إذا طُلب منها أن تحمل شيئًا فوق ظهرها قالت: أنا طائر ولستُ جملا أو حمارًا، وإذا طلبتْ منها جماعة الطيور أن تطير وتمرح معهم قالت: لا يغركم وجود هذين الجناحين فأنا جملٌ ولستُ طائرًا.
عرف الجميع النعامة الكسولة وهجرها من حولها لأنها أحبت حياة الدعة والخمول ومرت الأيام والسنوات ورأت النعامة نفسها صفر اليدين لا بيت لها ولا مأوى.
وهكذا يقدّم الإنسانُ الكسول أنظمةً خاصة به تكفل بقاءه بمنطقة راحته، وتبرر تقاعسه عن أداء واجباته وفي نهاية المطاف لا يحصد سوى الخسارة والنّدم.
وعلى طرفي النقيض منه لا يزال الإنسان النشيط يفكّ طلاسم أُحجيات الحياة حتى وإن أهدى له أحدهم مفاتيحها فلا تراه إلا مجاهدا ومكافحا يعمل بإصرار ولا ينفك مُجرّبا كلّ الطرق للوصول لأهدافه لأنه يمتلك منظارًا جميلًا للحياة وتربطه علاقة حسن الظن بالله تعالى، يعرف الأبواب التي يجب عليه أن يطرقها.
وتتكرر المواقف المُفعمة بالأمل في حياتنا فهناك من يقول: كم من شجرة لا تثمر إلا الثمر الحامض!
وآخر يقول: جميعُ الأشجار تثمر شيئًا ما، الشجرة سخيّة معطاءة.
تراودهم كلمات الأمل، يثقون بعطاء الله ولا يقنطون من رحمته تعالى ويطمعون في المزيد من خيرات الله في أرضه، يرددون دائما: كولمبس ما اكتشف أميركا إلا طمعًا في الوصول لخيرات الهند وكنوزها.
وفي موقف آخر عند مفترق الحياةِ..
كتبتُ عبارة شجيّة على صفحتي أصفُ فيها بعض مشاعر الإنسان الفاقد دوّنتُ فيها: من الصعوبة أن تمضي بك الأيام وتقف عند مرافئ الزمن لتقول لهم: «لا أملُك شخصًا يخافُ أن يخسرني، ولا ينام حتى يعرف أخباري، باختصار أنا أغيب متى شئت».
الجميع ردّ على المنشور بعبارات من الحزن والأسى ولكن جاء أحد الردود بكلمات تزهر بالتفاؤل فسجّل قائلًا: بقدر ما تحمل كلماتكِ من ألم، وبقدر ما أسمع صوت أنين التّأَوُّه يتصاعد من حروفها إلا أنها مليئة بإشارات الاكتفاء بالذات، وهذا بحد ذاته يُعدّ إنجازًا عظيما.
عرفتُ بأنّ صاحب هذه الكلمات يرى الحياة بمنظار يشعُّ بالأمل والتفاؤل ولا تقلقه تقلبات الحياة وموجها الصاخب، إنه لا يسير في طريق المتشائمين.
إنّ الذين يتعثرون بأفكارهم السوداء يجهلون حكمة الله في تصريف أمور عباده بينما يؤمن البعض منّا بمشيئة الله تعالى لأنه عرف الله حق المعرفة فكان الإيمان بالله حجر الزاوية لديه وكانت جميع أفكاره مُسربلة بنور الإيمان.
ويرى البعض أقدار الله عواصف صادمة محفوفة بالألم لا يستطيع صدّها، تندرج في كتاب الموت كنهاية حتميّة، ولا يكتفي بإظهار الحزن في مواضعه بل تراوده الأفكار التشاؤمية وهو في قمة السعادة فنراه في أغلب أحواله يميل للحزن حتى يصل به الحال للعلاج في العيادات النفسية ويدخل في طور المرض بسبب تشاؤمه.
ولا يكفي المتشائم من الحياة أن يضع نفسه في دائرة القلق بل ينقل مشاعر الخوف وجميع علامات القلق لأسرته، يحارب السعادة ويطرح نفسه على الأرض بعنف شديد لأقل إصابة تصيبه.
إنّ من يقرأ سطحيّة فكر المتشائم يكشف عجزه عن التقدم والنمو فلهُ مدرسته الخاصة الممتلئة بمناهج القلق ويسهّل نقلها لمرتاديها عبر سلسلة من الدروس التي لا تكاد تنتهي.
إنّ المتشائم شخصٌ قلق يرمي البيضة الذهبية التي فاز بها لاعتقاده بأن في داخلها قنبلة موقوتة فينكمش على نفسه ويُصاب بعقم السعادة وما يلبث أن يستفيق من نوم مُتعب ويفرك عينيه ليستقبل يوما جديدا لا يختلف عن سابقه، وأشبه بأيامه الماضية.