آخر تحديث: 13 / 12 / 2025م - 12:11 ص

المشاهير والتحليل السياسي!

حسن المصطفى * صحيفة البلاد البحرينية

كنت في نقاش مع صديق عزيز، حول الدور المتعاظم لمن يوصفون بـ ”المشاهير“ وتقديمهم من بعض الجهات الحكومية والأهلية ك ”صناع رأي عام“ في حقول مختلفة، ما جعل لهم سطوة أكثر، ومنح جزءًا منهم مصداقية غير حقيقية، لسبب بسيط، ألا وهو غياب العلم والخبرة والدراية، فضلًا عن فقدانهم التخصص والأدوات المعرفية والمهنية التي تؤهل غالبيتهم للنهوض بالأدوار التي توكل لهم. بالتأكيد، هناك أعدادٌ قليلة، وقد يكونون أفرادًا، طوروا أنفسهم، وحددوا مجال نشاطهم في مساحات معقولة ضمن نطاق معرفتهم، وصار لديهم محتوى يستحق المتابعة. إلا أن المشكلة تكمن في أن الغالبية تأخذهم الرغبة المرضية في الشهرة، والكسب المالي السريع، والحصول على المكانة المرموقة، وجميعها عوامل لا تدفعهم نحو التواضع أمام العلم وقول: لا أعلم!

”التحليل السياسي“ لو أخذناه كمثال، بات مجالاً خصبًا لكثير من المتطفلين الذين لا يبدون آراءً فردية قابلة للخطأ والصواب؛ بل يتحدثون وكأنهم خبراء متخصصون، وسياسيون متمرسون، واستراتيجيون، والأكثر غرابة أن بعضهم يتجرأ ويجترح خطابًا وكأنه متحدث باسم الحكومة أو وزارة الخارجية! ملفات عديدة بالغة الدقة أمنيًّا وعسكريًّا لها صلاتها السياسية، تبثُ فيديوهات حولها، لها تأثيرها على الرأي العام، وتجدها - للأسف - تتردد أصداؤها في بعض المجالس التي يفترض أنها تضم نخبة من الإعلاميين أو الأكاديميين والمثقفين؛ وهنا مربط الفَرسِ: كيف أثر ”المشاهير“ ليس في تفكير عامة الناس وحسب، بل في تفكير جزء ممن يوصفون بـ ”النخبة“.

الركون إلى السرعة، والتبسيط، والتفسيرات الرغبوية التي توافق هوى وتوجهات المتلقي، وأيضًا الانبهار بـ ”الأضواء“، كلها عززت سطوة هؤلاء ”المشاهير“ الفاقدين لمنهجية التحليل السياسي، خصوصًا في ظل تراجع مستويات القراءة العامة، والاستقطاب السياسي الحاد، الذي صير ”المشهور“ وكأنه رمزٌ يتحدث بلسان جماعة ما أو تيار محدد! الوعي ضروري، عبر تراكم الخبرات، والذهاب إلى المصادر الحقيقية للمعلومات، والبعد عن الانسياق مع الموجات العاطفية التي وإن كانت تمنح الإنسان شعوراً بأنه مع الجماعة آمنٌ، إلا أنه في الحقيقة يغرق في بحر من الجهل والتجهيل!.