شرارةُ البدءِ
كنتُ شرارةَ البدءِ،
أتنفّسُ ما قبلَ الخلق،
وأصغي للضوءِ وهو يتدرّبُ على أسمائه الأولى.
في ممرّاتِ العدم
كان الصمتُ يتهجّى ملامحَ الوجود
على مهلٍ يشبهُ صلاةً خفيّة.
كنتُ نَفَسَ الفكرة،
حين كان الكونُ يرتِّبُ هيئتَه في الغيب،
وكان الحنينُ يفتّش عن قلبٍ يسكنه
قبل أن يتقنَ معنى الخفقان.
كنتُ نغمةَ الخلق،
أُهدهدُ الرجفةَ الأولى في الكينونة
كي لا يفزعَ الحجرُ من قيامته،
ولا يشتعلَ اللهيبُ قبلَ تمامِ الذِّكر.
كنتُ نهرَ الوعي،
وقطرتي الأولى ما زالت تتأمّل
كيف يهبطُ الماءُ في اسمه
من غير أن ينسى صفاءَه.
كنتُ مرآةَ الذاكرة،
لا تعكسُ ما مضى؛
تُنصتُ لما ينشأُ من النور
قبل أن يُبصِرَ نفسَه،
وتحتفظُ بالحكايةِ التي يُعجِزُ عنها الزمان.
كنتُ حينَ تلعثمَ الفجرُ
الممرَّ الذي عبرَتْه الملائكة
من غير أن توقظَ شجرةَ الضوء،
ومن غير أن تخلعَ الريحُ أسماءَها عن الغيم.
كنتُ جذرَ النار،
أُخفِي وهجَها كي لا ينهضَ الرمادُ وحيدًا،
وكلّما تدفّقَ اللهيبُ فيَّ
لامستُ الصمتَ
لئلّا يفزعَ العالمُ من القيامة.
كنتُ خفقةَ التراب،
أتحسّسُ رعشةَ الخلقِ في داخلي،
وأقرأُ ما يحدثُ في الصمت
كما تُقرأُ سورةٌ قديمةٌ بدمعٍ جديد.
الآن
لا اكتمالَ ولا زوال؛
أنفاسُ غيبٍ تمشي بي نحوَ أصلِها،
حيث لا أسماءَ للنور،
ولا خوفَ من انطفاء.
أنصتُ لما تبقّى من الضوءِ في رمادي،
فتتردّدُ فيَّ تلاوةُ الخلق
كأنَّ الوجودَ يشهقُ للمرّةِ الأولى.
أنا شرارةُ البدءِ؛
لم أنطفئ،
تعلّمتُ أن أضيءَ بطمأنينةٍ
كي لا تُرهقَ النبوّةُ في صدري.
كلُّ ما احترقَ صارَ طريقًا،
وكلُّ طريقٍ يعيدُني إلى أوّلي،
حيث يكونُ المعنى على مقربةٍ من الله،
لا في الحرف…
ولا في سؤالِ الظهور.













