آخر تحديث: 14 / 12 / 2025م - 11:08 م

المنتقدون

فاضل أحمد هلال

المثير للجدل والمستغرب من البعض الذين ينتقدون الآخرين، أنهم ينتقدون غيرهم بعلم أو بغير علم، فقط يريدون أن ينتقدوا الآخرين ويفتحوا بابًا للنقاش.

المقصود بالانتقاد هو عملية تقييم وإبداء الرأي حول عمل ما أو شخص ما، بهدف كشف العيوب والمحاسن لديه، لكن ”الانتقاد“ غالبًا ما يحمل دلالة سلبية تُركزُ على الهجوم وتصيد أخطاء الآخرين وتقديمها بطريقة هدامة، على عكس ”النقد البناء“ الذي يهدف إلى التحسين ويقدم الحلول، مع التمييز بينهما بأن النقد البناء يركز على العمل ويحترم الشخص، بينما الانتقاد السلبي يركز على الشخص نفسه ويؤدي إلى الإحباط.

فتارة يكون هذا المنتقد صاحب علم ومعرفة ودراية كاملة بالمجال الذي انتقد الشخص عليه؛ كانتقاد الشعراء المبتدئين على شعرهم - على سبيل المثال - من قبل شاعر يعلم ببحور الشعر وأوزانها ومعانيها، أو انتقاد قارئ للقرآن على أخطائه الجلية أو التجويدية من معلم قرآن عالم بالتجويد وأحكامه. وهذا النوع من النقد جيدٌ إذا ما استُخدِم بطريقة صحيحة لا تؤثر سلبًا على مُقدِّم العمل فتُحبطه وتخزيه؛ فالأسلوب مهمٌّ جدًا، ومراعاة الوقت والمكان أيضًا مهمةٌ جدًا.

جميل أن يعطي الإنسان مما علمه الله - عز وجل -، والأجمل أن يكون متواضعًا وغير متعالٍ أو متكبر على الآخرين؛ فالعمل الصالح وإن كان صغيرًا يرفع شأن الإنسان. وإنّ النقد البناء والإيجابي من أشخاص متمكنين في المجال نفسه يعتبر مفيدًا جدًا للتقدم والتعلم بطريقة سريعة، وبخاصةٍ مع الأشخاص الذين عندهم القابلية ويتقبلون النقد من الآخرين. فالإنسان يشعر بالآخرين ويحس بمن حوله، ودائمًا نرى بعض المقدمين للأعمال الثقافية أو الدينية في المجتمع، وبوجود الجمهور أو الجمع الغفير من الناس، تطرأ عليهم دلالات من الخوف والرهبة والارتباك، وهذا أمر طبيعي جدًا خاصة في البدايات، فتتلاشى هذه الظاهرة شيئًا فشيئًا حتى يمتلك الإنسان الجرأة ويختفي عنه الخوف.

إن لكل إنسان وجهة نظر وذوقًا مختلفًا عن الآخرين، والبعض لديه حصيلة من الثقافات والعلوم الدنيوية والدينية والمعارف والأفكار واطلاعٌ في مجالات مختلفة، ولكن قد تكون غير مكتملة أو غير ممتدة لمجالات أخرى من الثقافة والعلوم، وهذا أمر طبيعي جدًا. ونحن حين ننتقد الآخرين يجب أن يكون انتقادنا لهم انتقادًا بناءً وإيجابيًا، ويجب أن يكون قائمًا على أسس ومفاهيم صحيحة المصدر وغير منافية للحقيقة؛ فلا أنتقدْ وأنا غير متأكد من المصادر الصحيحة، فالمسألة ليست مجرد حب انتقاد؛ لأن الانتقاد بذاته مُحبِطٌ للعمل. كما يجب أن يكون دوري أنا كمتذوق للعمل هو التشجيع والتوجيه لمقدم العمل ليتخطى العقبات التي تواجهه، لا النقد العلني السلبي الذي له أعراض سلبية ومُحبِطة.

لم يُخلق الإنسانُ عالمًا وعارفًا لكل شيء، إنما هو متعلم يصيب ويخطئ، فيتطور مع الوقت ليصبح متعلمًا جيدًا ومتقنًا. لطالما سمعنا القراء والمؤذنين في المساجد، وعندهم بعض الأخطاء أو غير متمكنين؛ فهل نُحبطهم ونحرمهم الأجر والثواب، أم نشاركهم الأجر والثواب ونغدق عليهم مما عُلِّمنا إنْ كنا أصحاب علم ومعرفة؟

في الختام،

ما أجمل العمل المتقن، وما أجمل الكلمة الطيبة والأخلاق الرفيعة التي ترتقي بالإنسان وترفع من شأنه وتعطيه الثقة بالنفس وتعززه ولا تحبطه وتقلل من شأنه. وإنّي أتمنى من كل إنسان ينتقد شخصًا آخرَ يقدم عملًا تطوعيًا وخالصًا لوجه الله - عز وجل -، أن يسأل نفسه: هل أنا قادر وأستطيع أن أقوم مقام هذا الشخص وأؤدي عمله بشكل أفضل منه؟ وهل أمتلك الجرأة على أداء العمل بإتقان؟ وفقَ اللهُ الجميعَ لكل خير.