آخر تحديث: 14 / 12 / 2025م - 11:08 م

تم الاختراق

المهندس أمير الصالح *

مصطلح اختراق ارتبط تلقائيًا بالحواسيب والجوالات والعالم الرقمي والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي. تدافع الأفراد والشركات حول العالم لشراء برامج وأنظمة حماية لأجهزتهم الإلكترونية والحواسيب من الاختراق الرقمي عبر الفيروسات الرقمية؛ وكذلك تحصين أنفسهم وشركاتهم من أساليب القراصنة الرقميين «الهاكرز» المتنوعة؛ لا بل انخرط عدد كبير من الناس في حضور دورات ومحاضرات وندوات توعية لتحصين أنفسهم وحماية أجهزتهم وزيادة حجم إدراكهم ووعيهم بكل شاردة وواردة من جديد أساليب أهل الشر في اختراق الهواتف النقالة والحواسيب والتطبيقات. وهذا فعل عقلائي محمود ونافع ومحبّذ ويُنصح به.

هناك اختراقات عدة تمت قبل نشوء العالم الرقمي في مناطق وأقاليم عدة. ومن تلكم الاختراقات، اختراق صفوف أهل الجود واختراق صفوف أهل الحكمة والإيمان، واختراق صفوف أهل الفضيلة عبر أشخاص يتلبسون بلباس العفة والطهارة والكلام المنمّق ليخترقون الصفوف ويستحوذون على الدفة ويربكون المشهد ويثيرون الفتن ويهدمون العلاقات ويفتّتون العلاقات ويحطمون القيم ويشوّهون القدوات ويطعنون ظهور الصالحين ويتاجرون بقضايا المتعفّفين.

هل تساءلت يومًا عمّن انقلب على عقبيه فأصبح من مدافع عن قيم سامية إلى متهتّك لها ومتهكم ومستهزئ بتلك القيم النبيلة وأتباعها؛ سواء كانت قيمًا أسرية محترمة أو مبادئ دينية مرموقة أو تعايشًا سلميًا مستقراً أو حريات متزنة. فأضحى ذلك المنقلب على عقبيه، منتهكًا للمحرّمات ونازعًا لباس الحياء ومروّجًا للمجون ومبرّرًا لأفعال أهل الرذيلة وسارقًا للحقوق ومحرّفًا للكلم ومتلاعبًا بالمصطلحات وطاعنًا بالقدوات ومثبّطًا للهمم. فانفلت ذاك الفرد أو تلكم المجموعة ضد المجتمع وأضحوا من أشخاص منادين بالإصلاح والمراجعة والشفافية في زمن ما إلى متبنين لكل عمل مشين ومنبوذ ومقزّز ومربك للمجتمع!

هل راجعت وتساءلت يومًا من الأيام عمّن كتب التاريخ وكيف كتبه وتحت أي ظروف، وأين أقوال الأطراف الأخرى ممن كُتب عنهم، وما هو رأي الضحايا بما كُتب فيهم وفي حقهم؟ فإذا كان المنتصرون هم من يكتبون التاريخ، فهل تعتقد بأنهم أنصفوا أو يُنصفون من كتبوا عنهم؟ وإذا كان المنتصرون كتبوا، فحتماً هناك من يمدّهم بالمادة وبهيكل السردية المراد تمريرها عبر التاريخ للقراء عبر الزمن، وإيراد بعض الأسماء وبعض المعلومات الصحيحة في سرديتهم يضفي نوعًا من الخلط بين الحق والباطل للتشويش على الرواية والسردية والقصة الحقيقية.

فإذا كان شخص ما صاحب وعي أو يدّعي امتلاك الوعي فمن المروءة والشهامة والرجولة أن لا يُهين ضحية مستضعفة لقلة الحيلة، ولا يستقوي على ضعيف مهمل لا حول له ولا قوة، ولا يُبدي قوته على طفل صغير أو امرأة ضعيفة أو عامل بسيط مغترب. ومن الشهامة ألا يرقص مدّعي الوعي على جراح الآخرين. ومن الشهامة أن يطرح مدّعي المعرفة حلولًا قابلة للتنفيذ لمساعدة الآخرين؛ لا أن يطرح عراقيل ويثبط هممًا ويفتح جراحًا جديدة ويتهكم على الآخرين تحت ادعاء أنه يمارس النقد الحر أو يطرح الرأي الشخصي. ومن الشهامة أن يكون الإنسان لبنة بناء لمجتمعه ووطنه، لا أن يكون معول هدم لهما أو تحريض أو إثارة بلبلة أو أداة تمزيق للصف الواحد. ومن الشهامة أن يسعى الواعي لكسب قلوب من هم حوله من الصادقين، لا أن يكسب جولة جدال ضدهم ويتهكم على الآخرين. ومن الشهامة أن يحاور الواعي ومدّعي الوعي الآخرين بكل أدب ومنطق وعقل ورصانة، لا أن يهاجمهم أو يغدر بهم أو يُحرض عليهم.

قد يفتتن البعض ممن يولع قلبه بحب الأفكار المغايرة ظنًا منه بالتفرّد والتميّز فيستسيغ أطروحة / أطروحات مشاكسة وشبهات مشاغبة وجدالات عقيمة دون إدراك منه بخواتيمها، فيقع مدّعي الوعي في الفخ ويصبح — من دون استشعار منه — شخصًا مُخترقًا وإن حسب أنه واعٍ.

أدوات الذكاء الاصطناعي وصناعة تزييف المعلومات والتضليل الإعلامي وموجات السيطرة على العقول وإدارة المغالطات المنطقية جعلت البعض ممن يدّعي الوعي، لا سيما قليلي التجربة وضحلي الفكر، ألعوبة وأضحوكة لدى أناس قابعين في أطراف أخرى من العالم وعبر المحيطات ممن يكنّون الكره والحقد ضد الأديان والاستقرار والإنسانية.

بين بثّ سموم خلط الأوراق وإثارة الشبهات وترويج صور / مقاطع إباحية عبر النت، وتضليل إعلامي مقصود ومهندس باحتراف، وتقارير وكالات أخبار عالمية مغلوطة، والعجب بالنفس لدى البعض وقلة الإدراك لتشعّبات الواقع، ضاع، وسيضيع، وقد يضيع أناس يدّعون الوعي والفهم لمجرّد أنهم قرؤوا كتبًا مثل: رواية «1984»، نهاية التاريخ، صراع الأدمغة، السيطرة على الجماهير… إلخ. فالأمر أكبر من ذلك كله.

علامات الاختراق

هناك عدة علامات تدل على اختراق الشخص من قبل أهل السوء واتخاذهم له مطية لتمرير مشاريعهم السيئة، ومنها:

1 - الحسبان الخاطئ

﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: الآية 104].

2 - الصدّ عن سبيل الله

﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف: الآية 37].

3 - تبنّي القدوات السيئة

﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف: الآية 30].

4 - الحلف كذبًا والمراوغة في الكلام

﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [المجادلة: الآية 18].

5 - العجب بالنفس والنفاق

﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون: الآية 4].

ختامًا

كل جهاز حاسوب وهاتف نقال مشبوك ومرتبط بشبكات الاتصال المفتوحة معرّض للاختراق عبر فيروسات إلكترونية متعددة ونشطة؛ ولذا وجب تحديث نسخ التطبيقات وصيانة أجهزة الحواسيب والجوالات بشكل دوري لضمان عدم الاختراق أو تقليل احتمال الإصابة بالاختراق. وكذلك كل إنسان واعٍ مرتبط بعمل ومحتك بالناس والعالم والفضاء الرقمي حيث نقاش الأفكار وقراءة الأيديولوجيات والاحتكاك بقروبات مختلفة التوجهات فإنه معرّض للاختراق والتعرّض لفيروسات أخلاقية ومغالطات عقائدية وشبهات فكرية إن لم يُحصّن نفسه وعقله وقلبه بشكل دائم ودوري من الوقوع في حبال الشياطين. وفي مقابل جملة «تم القبض» المستخدمة في حق هاتكي القانون؛ حتمًا يتداول بعض المجرمين جملة «تم الاختراق» عند الإيقاع بضحية أو التغرير به أو تجنيده. فليسعَ كل إنسان شريف وغيور وصالح وذو وعي أو ساعٍ لاستحصال الوعي أن يُحصّن نفسه أولًا ومحيطه ثانيًا من أهل الشر:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: الآية 6].

وكل أبناء آدم خطّاؤون وخيرهم من تاب قبل فوات العمر وانقضاء المدة. فالوعي الحقيقي لا يعني معرفة أسماء مفكرين وروايات مشهورة وحضور ندوات، بل هو ترجمة واقعية صادقة عبر سلوكيات ومبادرات وتعاملات وحوارات ومقالات ومشاريع وأعمال محمودة العواقب وناضجة الأركان وقوية البصيرة.