آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:57 ص

العلاقات الإنسانية المتأرجحة: بين القرب والبعد

ناجي وهب الفرج *

العلاقات الإنسانية المتأرجحة هي ذلك النوع من الروابط الإنسانية التي لا تستقر على حال، فهي تتأرجح بين الاقتراب والابتعاد، وبين الوضوح والغموض، وبين الودِّ والجفاء. تبدو أحيانًا وكأنها على وشك أن تزدهر، ثم لا تلبث أن تعود إلى نقطة البداية. وهذه العلاقات تستنزف مشاعر الأطراف؛ لأنها تقوم على أرضية غير ثابتة، ورؤية مضطربة لما يريد كل طرف من الآخر.

قال عزَّ من قائل: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا «البقرة: 83»

فالتواصل الطيب والواضح هو أساس الثبات في أي علاقة، وغيابه يولّد التقلب والتذبذب.

يغيب عن العلاقات المتأرجحة الاستقرار العاطفي والنفسي، حيث يشعر أحد الطرفين - أو كلاهما - بالشدِّ والجذب المستمر. ولا يوجد فيها قرار نهائي بالمضيّ قُدُمًا أو بالانفصال، بل يبقى الطرفان معلقين في منطقة رمادية.

فقد أوضح الرسول ﷺ ذلك بقوله: «المؤمنُ مألفةٌ، ولا خير فيمن لا يألفُ ولا يُؤلف» «رواه الطبراني».

فالعلاقات المستقرة تقوم على الألفة، لا على التقلّب.

تعود أسباب تأرجح العلاقات إلى:

1- الخوف من الالتزام وينشأ في أن أحد الأطراف قد يرغب في العلاقة لكنه يخشى الالتزام الكامل، فيقترب عندما يشتاق ويبتعد عند الشعور بثقل المسؤولية.

2- عدم وضوح النوايا وذلك حين لا يحدد كل طرف ما يريده بوضوح، ينشأ سوء فهم يؤدي إلى ارتباك وتذبذب.

يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا «الأحزاب: 70»

3- الاعتماد العاطفي المفرط ويكون ذلك في التعلق المرضي الذي يجعل الشخص متأرجحًا بين الحاجة والخوف من الخسارة.

فقد قال الإمام علي : «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرًّا» «نهج البلاغة»

4- الجرح العاطفي السابق ويأتي ذلك من التجارب المؤلمة التي تجعل الشخص يتردد بين القرب والرغبة في حماية النفس.

5- غياب الحوار الصريح وسببه الصمت عن المشكلات، والذي سوف يضعف البناء العاطفي، ويجعل العلاقة عرضة للتقلبات.

فقد نهى النبي ﷺ عن الظن بقوله: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» «البخاري ومسلم»

الآثار النفسية للعلاقات المتأرجحة تظهر في

الإرهاق العاطفي: الشعور بالانتظار والترقب المستمر.

انخفاض تقدير الذات: ربط القيمة برد فعل الآخر.

القلق والتشتت: غياب الوضوح يمنع الاستقرار النفسي.

فقدان الثقة بالنفس وبالشريك.

التعلق القَلِق: الرغبة الدائمة في التمسك بالعلاقة خوفًا من فقدها.

قال الإمام علي : «الصديق من صدق غيبُه وصدق حضورُه» «غرر الحكم» أي أنّ العلاقة الصادقة تكون ثابتة في الغياب والحضور، لا تتذبذب.

أما طرق التعامل مع العلاقات المتأرجحة يكون باتباع الخطوات التالية المتمثلة في:

1- التسمية أولًا وذلك بالاعتراف بأن العلاقة غير مستقرة وهي الخطوة الأولى لفهمها.

2- طرح الأسئلة الصريحة مثل

ما الذي نريده؟ ما الحدود؟ ما الخطط؟ فهذه الأسئلة تزيل الغموض.

3- تحديد الحدود العاطفية بحيث يعرف كلُّ طرف ما يقبله وما لا يقبله.

4- العمل على بناء الذات

وذلك بتقوية الإنسان نفسه من الداخل، ليقلّ تأثره بتقلّب الآخرين.

5- اتخاذ قرار واضح ويكون ذلك عبر إصلاح العلاقة باتفاق ناضج، أو إنهاؤها حفاظًا على الصحة النفسية.

قال الإمام الصادق : «أحبب حبيبك هونًا ما» «الكافي»

فالاعتدال في العاطفة يمنع التقلب والانهيار.

نخلص إلى أنّ العلاقات المتأرجحة ليست قدرًا محتومًا، لكنها نتيجة خلل في التواصل، أو ضعف الاستعداد النفسي، أو تباين في الرغبات. هي علاقات تُرهق أكثر مما تُريح، وتستهلك أكثر مما تُعطي.

قال الله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا «الإسراء: 34»

فالثبات والالتزام أساس العلاقة الصحية. وإنّ النضج العاطفي يكمن في أن يعرف المرء متى يتمسّك ومتى يترك. فالعلاقة الصحيحة تقوم على الوضوح، الصدق، والرحمة.

يقول جلَّ جلاله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ «آل عمران: 159».

المصادر:
1. القرآن الكريم
2. البخاري، مسلم، الطبراني
3. نهج البلاغة. غرر الحكم، الكافي
4. مصادر علمية:
• الذكاء العاطفي - دانيال جولمان
• Attached - أمير ليفين وراشيل هيلر
• Psychology Today - Push-Pull Relationships
• العلاقات الإنسانية - عبد الكريم بكار.
نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العوامية الخيرية للخدمات الاجتماعية