آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:21 ص

ميزانية 2026.. حين تتحوّل الأرقام إلى طمأنينة

دكتورة لمياء عبدالمحسن البراهيم * صحيفة اليوم

إعلان الميزانية يأتي كل عام كنافذة نطلّ منها على ملامح المستقبل: أين تُوجَّه الموارد؟ وما الذي ينتظر المواطن في حياته اليومية؟ وفي ميزانية 2026.

فعلى المستوى العالمي، يستمر الاقتصاد الدولي في التراجع، وتتسع دائرة التوترات الجيوسياسية والقيود الحمائية. ومع ذلك، تُظهر المملكة قدرة لافتة على الحفاظ على مركز مالي متين، بفضل سياسات استباقية بنت مظلتها قبل أن تهطل العواصف. مرونة عالية في إدارة المخاطر، وضبط رشيد للأولويات دون المساس بالخدمات الأساسية، جعلت الاقتصاد السعودي يعبر 2025 بثبات رغم تراجع أسعار النفط عالميًا.

أما الداخل، فالصورة مختلفة... هنا الإنسان هو محور الحكاية، فالميزانية تعيد تأكيد أن جودة الحياة ليست بندًا تكميليًا، بل جوهر الرؤية الوطنية. وعلى الرغم من إعادة هيكلة الإنفاق ورفع كفاءته، لم تُمس قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية، بل واصلت التوسع والتحسن.

وفي القطاع الصحي تحديدًا، تتقدم الخطة بخطوات عملية تُظهر انتقالًا من مفهوم «الخدمة المتاحة» إلى «الخدمة الجاهزة وذات الجودة». وتشمل المشاريع المعلنة لعام 2026 تدريب مليوني متدرب على المهارات الأساسية للإسعافات الأولية عبر برنامج «الثمان الأولى»، في تأكيد واضح على دور المجتمع في الاستجابة للحالات الطارئة.

كما تمضي الدولة نحو تحول شامل في منظومة التراخيص والرقابة، من خلال تطبيق الإطار الوطني للتراخيص على جميع منشآت القطاع الصحي العام، وتحقيق تغطية بنسبة 90% للرقابة الذكية عبر منصة «المنظّم»، مع خفض مدة إصدار التراخيص إلى 15 يوم عمل فقط، في خطوة تعزز الحوكمة وسرعة الاعتماد.

وفي جانب الخدمات العلاجية، تستهدف الوزارة تحقيق الجاهزية الكاملة لمراكز الغسيل الكلوي عبر توفير وتشغيل وصيانة 750 جهاز غسيل كلوي حديث، مدعومة بالبنية التحتية اللازمة بما يرفع الطاقة الاستيعابية ويحسن جودة الخدمة في مختلف المناطق. كما تستعد الدولة لإنشاء ستة مستشفيات جديدة بسعة إجمالية تبلغ 1100 سرير، لتعزيز التوزيع العادل للرعاية الصحية وتلبية الاحتياج المتزايد.

كما تطلق المملكة البوابة الوطنية للتجارب السريرية كمنصة رقمية موحدة، تُسهّل الوصول إلى المعلومات والبيانات العلمية، وتمكّن منظومة الأبحاث السريرية، وتُحفّز الاستثمار المحلي والدولي في هذا المجال الحيوي. وإلى جانب ذلك، يأتي تعزيز التوطين والمحتوى المحلي في سلاسل الإمداد الطبية عبر منافسات «نوبكو» للشراء الموحد، بهدف الوصول إلى نسبة تزيد على 87%، كجزء من استراتيجية أوسع لبناء منظومة صحية أكثر استقلالية واستدامة.

وفي الجانب الاجتماعي، تؤكد الميزانية استمرار الدولة في حماية الفئات الأكثر احتياجًا عبر منظومة دعم أكثر دقة وكفاءة. المنافع الاجتماعية يُتوقع أن تبلغ 101 مليار ريال، والإعانات نحو 34 مليار ريال، وهو إنفاق يعكس رؤية ترى في الحماية الاجتماعية استثمارًا يواكب النمو الاقتصادي، لا ينافسه.

ولأن جودة الحياة لا تُقاس بالدخل والصحة فقط، تتعامل الدولة مع الثقافة والترفيه والرياضة باعتبارها عناصر مكمّلة لبناء مجتمع صحي ومنتج ومتفاعل، في إطار منظومة اقتصادية واجتماعية أكثر حيوية. ورغم أن المشهد العالمي مليء بالمخاطر، من تقلبات أسعار النفط إلى التحولات الجيوسياسية، تبقى الرسالة الأساسية واضحة: الدولة تراقب وتعدّل وتتحرك بمرونة، لكنها لا تسمح لهذه الاضطرابات بأن تمس استقرار الخدمات أو جودة حياة المواطن.

في نهاية المطاف، تبدو ميزانية 2026 كقصة بلد يعرف أن الاستثمار في الإنسان هو الطريق الأطول، لكنه الأكثر ضمانًا. قصة صحة تُدار بكفاءة، وحماية اجتماعية تتوسع، واقتصاد يتنوع، ودولة تمضي بثقة.

استشارية طب أسرة
مستشار الجودة وسلامة المرضى
مستشار التخطيط والتميز المؤسسي
كاتبة رأي