«إف - 35»... ما وراء الصفقة
تأتي زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن لتضع مستقبل العلاقات الثنائية أمام استحقاقات تتجاوز المجاملات الدبلوماسية والنقاشات العامة حول الاتفاقيات الأمنية. فبينما تتجه الأنظار إلى العناوين العريضة للمعاهدات الدفاعية والملف النووي، يبرز ملف طائرات «إف -35» كمعيار حقيقي ودقيق لقياس نبض هذه الشراكة. إن هذا الملف بالتحديد يمثل استفتاء مفصلياً حول قدرة التحالف السعودي - الأميركي على الانتقال من مرحلة العلاقات التعاقدية التقليدية التي سادت لعقود، إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي المتكامل القائم على الردع المشترك والتقنية المتقدمة.
بالنسبة للمملكة، وفي سياق «رؤية 2030»، لا يمثل الإصرار على اقتناء هذا الجيل الخامس من المقاتلات مجرد رغبة في تكديس السلاح، بل هو حجر الزاوية في مشروع التحديث العسكري، وخطوة جوهرية نحو السيادة التقنية. إن امتلاك منصة قتالية تتميز بقدرات الربط الشبكي وتحليل البيانات هو مطلب ضروري لبناء ردع وطني فعال ضد التهديدات الإقليمية المعقدة، كما أنه انتزاع لاعتراف عملي من واشنطن بأن السعودية شريك من الدرجة الأولى، لا يقل أهمية عن حلفاء «الناتو»، إلا أن هذا الطموح يصطدم في واشنطن بعقبات تتجاوز الرغبة السياسية للإدارة، وتحديداً جدار التشريعات المتعلقة بضمان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. هذه العقيدة، التي تحولت من سياسة تفضيلية إلى قيد قانوني ملزم، تضع صانع القرار الأميركي أمام مفارقة صعبة: كيف يمكن بناء تحالف إقليمي قوي لاحتواء التهديدات المشتركة، مع الاستمرار في حجب أدوات هذا الردع عن الشريك الأهم في المعادلة؟
هنا يكمن جوهر الاختبار الذي تحمله هذه الزيارة. فواشنطن اليوم أمام خيارات: إما المضي قدماً في الصفقة وتحديث مفهومها للتحالفات بما يتجاوز الحسابات التقليدية، أو الرضوخ للجمود التشريعي ورفض البيع، أو الاكتفاء ببيع نسخ ذات قدرات مخفضة. الخيار الثاني لن يوقف طموح الرياض، بل سيسرع بلا شك من وتيرة التنويع الاستراتيجي الذي بدأته المملكة بالفعل، سواء عبر التفكير في خيارات مثل الطائرة الشبحية التركية «قآن»، أو الخيارات الأوروبية الأخرى.
إن تردد واشنطن سيبعث برسالة واضحة للرياض، مفادها أن الشراكة الكاملة غير متاحة أميركياً، مما يدفع المملكة للبحث عن مصادر أخرى لا ترهن سيادتها الدفاعية لحسابات طرف ثالث. والخاسر الأكبر في هذا السيناريو سيكون النفوذ الأميركي نفسه، الذي قد يفقد موقعه المميز في بنية الدفاع السعودية لعقود قادمة.
وعليه، فإن السؤال الذي يطرحه هذا الملف في أروقة واشنطن اليوم: هل ستمتلك السعودية قدرات الجيل الخامس؟ فهذا مسار حتمي تفرضه الضرورة وموازين القوى. السؤال الحقيقي والاستراتيجي هو: مَن سيكون الشريك في هذا التحول؟













