من القراءة إلى الكتابة
تقول الكاتبة والروائية الكويتية خولة القزويني عن تجربتها في القراءة: منذ طفولتي أحببت القراءة وأدمنت المطالعة، هي زادي وغذائي وعتادي في درب حياتي، وخصوصا القصص والروايات، وكل سرد يدخل في سياق الحكاوي والشغف الجميل، كانت البداية مجموعة «المكتبة الخضراء» التي تشد خائلة الطفل المرهف إلى مرافئ الدهشة والسحر، وتسرح به في عوالم بعيدة وتوقظ فيه غريزة الاستكشاف والفضول، تطلق عنان أحاسيسه فيرتشف رحيق الجمال بذائقة شفافة، أحببت حصة اللغة العربية في المدرسة، كنت أنتظرها بفارغ الصبر هي المنطلق لكلماتي المتمردة عندما خرجت عن طور الطفولة والمحطة التي تستريح فيها لغتي الفصيحة لتتزود بطاقة إبداع حتى تمض بثقة وإيمان. كتاب تجارب الكتّاب من القراءة إلى الكتابة للكاتب حسن آل حمادة ص 242.
أما الكاتب القطري عبدالحميد الأنصاري فقال: عندما استرجع شريط الذكريات للوعي بالبدايات يستوقفني مشهد ذلك الطفل الذي يقتصد من مصروفه اليومي ليشتري مجلة قد استهوته فأصبح حريصاً على قراءتها، يترقب موعد صدروها الأسبوعي، كان اسمها «سندباد». كانت هذه المجلة مصدر متعة وثقافة لهذا الطفل، تشبع فضوله المعرفي وتنقله إلى عوالم أخرى رحبة وتُعمّق تواصله مع الآخرين وتثري وجدانه. وقد زاد من شغف الطفل بالمجلة أنها كانت في كل عدد، تقدم هدية مسلية «لعبة» تنمي هوايته وتصقل مهارته، وهكذا وعبر مرور الأيام، أصبحت القراءة لدى هذا الطفل «عادة» وأصبح لا يكتفى بسندباد، فقد ظهرت في الأسواق مجلة «سمير» وبعدها جاءت «ميكي» فضمها إلى قائمة قراءاته.
وأضاف الأنصاري في الكتاب المذكور ص 291-292: كل ذلك كان في مرحلة الدراسة الابتدائية، حتى إذا انتقل إلى المرحلة الإعدادية انفتح على عالم الروايات فأصبح مولداً «مولعاً» بها، لا يكاد ينقضي يوم دون أن يفرغ من رواية، أصبحت قراءة الروايات هواية ممتعة، وأذكر أنني خلال هذه المرحلة قرأت آلاف الروايات، وكل أنواع الروايات، البوليسية والاجتماعية وغيرها، العربية والمترجمة، قرأت معظم روايات «الجيب» و«الهلال» و«كتابي»، قرأت «أرسيمه العربية» وأخواتها.
ويواصل الكاتب الأنصاري حديثه بالقول: حتى إذا انتقلت إلى المرحلة الثانوية استهوتني الروايات التاريخية الجورجي زيدان وملاحم «الزير سالم» و«عنترة» و«سيف بن ذي يزن» و«التغريبة الهلالية» وقصص ألف ليلة وليلة وشغفت بقصص وروايات كتاب مصر العظام محفوظ والسباعي وإدريس وعبدالقدوس والسحار والحكيم وغيرهم. وفي مرحلة متقدمة في المرحلة الثانوية وبتوجيه من أساتذتي أقبلت على كتب الأدب والشعر، ووقعت في أسر شاعر العربية الأكبر «المتنبي» وحفظت الكثير من أشعاره وبخاصة «الحِكم»، ومن ذا يستطيع أن يخرج من إسار المتنبي؟! المصدر السابق ص 292
أما الكاتب العراقي الدكتور رسول محمد رسول «كتب عشرات المؤلفات في الفكر والفلسفة» فقد تأثر بوالده في حبه للكتب والقراءة. وقال إنه كان يتواجد في كل مكان فيه كتب أو حديث عن الثقافة والمثقفين، وحين كُف بصر والده طلب منه والده أن يقرأ له بعض الكتب، حيث كان يقرأ له ساعتين أو أكثر كل مساء في فترة مراهقته. ويقول بأن تلك المرحلة أفادته كثيرا كون والده كان يصحح له قراءته حين يخطئ ويعرفه بمعاني بعض المفردات والمصطلحات التي لا يعرفها. ويقول إنه قرأ لوالده حتى بعض كتب المنطق والفلسفة التي شرحها له.
وأضاف أيضا بأنه قد استفاد كثيرا من مكتبات جامعة بغداد حيث كان فيها مكتبة قسم الفلسفة ومكتبة كلية الآداب والمكتبة المركزية. وقال: كنت أشعر أن اليوم الذي لا أقرأ فيه كما لو كنت نسيتُ شيئاً من خاصتي ما ينبغي علي نسيانه. ص 261. «لم أجد شخصا يحد من قراءاتي، ولم أجد أحداً يعترض على أسلوبي في القراءة. أقرأ من أجل أن أكتب، وأقرأ من أجل أن أغتني بالجديد من المعارف» ص 265. «أجد في الكتابة لذّة ليس لها ثمن يُذكر. الكتابة هي حياتي الحقيقية، ومن دونها لا أشعر أنني موجود فاعل في هذه الحياة. كل كتابة هي جدوى» ص 266.
أما الكاتب السعودي السيد زيد الفضيل فقد تحدث عن ولعه المبكر بالقراءة بتشجيع من والده وتأثر كبير بمحيطه العائلي والاجتماعي ثم انفتاحه على عالم المكتبات في الجامعة وخارجها. ويقول كذلك إن والده كان يشجعه على الكتابة حتى حينما اضطرته ظروف الدراسة والعمل للابتعاد عنه كان يطلب منه أن يكتب إليه رسائل بدلا من الاتصال الهاتفي، هادفا من ذلك إلى تشجيعه على الإمساك بالقلم. ويقول الفضيل بأنه كان في بدايات كتابته للرسائل يقع في أخطاء كثيرة كان يصححها له والده حتى تعلم من ذلك.
ويضيف الدكتور الفضيل: أصبحت القراءة بمثابة إكسير الحياة الذي يمدني بالطاقة والحيوية، لكوني قد خضت عباب أمواجها رغبة في استكشاف أفانينها، فقرأت لِذات القراءة، وليس لتوفير حاجة فرضتها علي ظروف حياتية، كالدراسة مثلا أو النقاش. ص 274
وفي مقدمة الكتاب الذي صدر عن دار القارئ وضم تجربة 22 كاتبا وكاتبة في 433 صفحة من القطع الكبير ذكر الكاتب الأستاذ حسن آل حمادة - الذي يُعد أيقونة قرائية ومعروف بأنشطته القرائية من محاضرات وورش عمل وبكتابه الشهير «أمة اقرأ لا تقرأ» - أن فكرة الكتاب تركز على جنبتين: الأولى: تجارب الكتّاب في ممارسة عادة القراءة، والثانية: تجاربهم في الكتابة، بمختلف مجالاتها، محاولا تنويع المناطق الجغرافية للكتّاب الذين استكتبهم للحديث عن هذه الأمور.













