آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:57 ص

ذهبت الأخلاق في زمن التفاهات!

عباس سالم

الطفرة التكنولوجية التي حدثت في زمن الإنترنت اليوم لها الكثير من الإيجابيات والسلبيات، حيث أصبحت التكنولوجيا الحديثة تسيطر بشكل كبير على عقولنا وعلى حياتنا اليومية بجميع أشكالها وأنواعها، وباتت تؤثر بشكل سيئ وكبير على أخلاقيات وسلوكيات الكثير من الجيل الحديث من الجنسين صغارًا وكبارًا، فأين الخلل؟

في زمن الأجهزة الذكية التي يحملها الجميع انتشرت ظاهرة تصوير بعض الناس الضعفاء أو ما نسميهم «من أهل الله» بالمصطلح البلدي، وهذه الفئة من الناس لم يكن ذنبهم أنهم تعرضوا للخذلان في حياتهم ولم يتعلموا، أو أن بعضهم عاش فقيراً وأصبح حاله كما هو حال بعض الفقراء في مجتمعنا، من عدم احترامهم وتقديرهم من البعض في مجالسنا وديوانياتنا مقارنة بمن يملكون المال من أي طريقًا كان!

يبدو أن الخلل هو: الاستخدام السيء للتكنولوجيا من البعض في مواقع التواصل الاجتماعي ”السوشال ميديا“، فبدلاً من استخدامها كمنصة إعلامية حرة تمكن الأفراد من التعبير عن آرائهم من خلالها بحرية محترمة وموضوعية، أصبحت للأسف عند البعض وسيلة للتطاول والسخرية على الآخرين، ونشر الإشاعات والأخبار الكاذبة عن بعض الأشخاص ووضعهم على مشرحة الأكاذيب الملفقة لتضليل المجتمع.

يُحكى أن رجلٌ مسن دخل أحد صالات الأفراح التي يقام فيها حفل الزواج لأحد جيرانه وتقديم التبريكات للعريس وعائلته، وبعد أن انتهى من تقديم التهاني والتبريكات دخل دورة المياه لغسل يديه وكانت الحنفيات تعمل بالحساسات الكهربائية ولا تحتاج إلى مفتاح، بل يكفي أن تلامس الحساس فيفتح صنبور الماء أتوماتيكياً.

وبينما كان الرجل المسن يحاول تشغيل الحنفية لكنه لم يستطع ولا يعرف كيف تعمل، وإذا برجل يدخل إلى دورة المياه ويرى الرجل المسن يحاول فتح صنبور الماء، لفت انتباهه شابٌ يقف خلفه يحمل هاتفه الذكي ويقوم بتصويره وهو يسخر منه! فاقترب منه وقال له بهدوء: عيبٌ عليك، هذا الرجل في مقام والدك، وليس عيبًا أن يجهل شيئًا لم يشاهده في حياته. فقال الشاب ضاحكًا: هذا فلاح! فقال له: وأنت ماذا تفعل بالتصوير؟ هل ستنشر المقطع ليضحك الناس على هذا الرجل المسكين لتصنع تريندًا فارغًا؟ أهذا ما تريد؟ لم يعجبه كلامي فحاول التهجم عليَّ فاشتد النقاش بيننا حتى تدخل الناس وفضّوا الموقف.

وبعد دقائق قليلة سمعنا صراخًا في الصالة، فخرجنا مسرعين، لنجد رجلاً مغمى عليه على الأرض والناس حوله في حالة ارتباك شديد، وإذا بالشاب الذي كان يسخر من الرجل المسن يركض نحوه فهو والده. وفي لحظة صمت مدهشة، تدخل الرجل المسن بين الحشود بخطوات واثقة فهو يحمل خبرة بالفطرة في العلاج الشعبي وحالات الإغماء! فقام بإرشاد الابن على كيف يساعد والده حتى أفاق وسط دهشة الجميع. وهنا نظر أحد الواقفين إلى الشاب وقال له: انظر إلى من كنت تسخر منه منذ قليل، هو نفسه من جاء لينقذ حياة والدك.

كانت الصدمة كبيرة على الشاب، فقد أدرك حينها أن السخرية من الناس ليست ذكاء، وأن الجهل الحقيقي ليس فيمن لا يعرف كيف يشغل أو يفتح صنبور الماء، بل في من يظن نفسه أنه أفضل من غيره وهو لا يعلم شيئًا.

ختامًا: إن الحكمة من هذه الحكاية هي:

أن لا تحتقر أحدًا ولا تسخر من أحد، فالسخرية من الناس قلة في التربية والأدب والذوق، لكنها أصبحت وبكل أسف ظاهرة اجتماعية منتشرة في المجتمع. فالتربية الحقيقية لا تُقاس بدرجات أكاديمية نحملها، بل بقدرتك على أن تكون إنسانًا في عالم يزداد قسوة على الآخرين، ويفرح بنشر التفاهات على وسائل التواصل وترك كل ما هو مفيدًا فيها.