آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:21 ص

السعودية مركز المستقبل

رائدة السبع * صحيفة اليوم

لو لم أكن أرى أنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يتقدّم صفّ وزرائه، لظننت المشهد افتتاحية فيلم سينمائي عظيم: دهشة، بل إيقاع حضور يفرض نفسه، ولحظة تتبدّل فيها الجغرافيا، ويُعاد ترتيب العالم في ثانية خاطفة. لم يكن المشهد سياسيًا بقدر ما كان عرضًا بصريًا للهيبة السعودية التي تتجسّد في كل خطوة.

وحتى قبل اكتمال تفاصيل المشهد، كان البيت الأبيض يستيقظ قبل المدينة: فوضى ذكية هنا وهناك، صوت المشي السريع وأقدام الموظفين، وورق يُرتّب بعناية، كل شيء يتهيأ للّحظة التاريخية الحاسمة.

وحين تبدأ السيارات السوداء بالتوافد، يتحوّل الزمن: الدقائق أبطأ، الحركة أعمق، والوصول يصبح حدثًا فيزيائيًا قبل أن يكون سياسيًا. وكأن البيت الأبيض - بكل وقاره - ساعة رملية مقلوبة تنتظر سقوط الحبة الأخيرة لتبدأ اللحظة المصيرية.

وفي الخارج، كان صوت آخر يفتتح المشهد بطريقته: المدفعية. لكن الطلقات لم تكن إعلان حرب، ولا جرس إنذار، بل بهجة استقبال الأمير محمد بن سلمان؛ احتفال يسبق الخطوات ويوسّع الطريق أمام الحضور. بدا الدويّ كأنه موسيقى رسمية بروح شعبية، نبرة ترحيب تقول إن لحظة غير عادية وصلت، وإن العالم يستعد - بصوت عالٍ - لاسم بات حضوره حدثًا تاريخيًا.

المصوّرون ينحنون لقياس الضوء، يختبرون الزوايا، ويعيدون ترتيب العالم ليتناسب مع لحظة واحدة، وصورة مثيرة تتناقلها القنوات وتتسابق على نشرها أعرق الصحف.

في قلب هذه الجدية تظهر المفارقة الأجمل: عفوية القادة. ضحكة سريعة، جملة مرتجلة، لمعة عين لا تحتاج ترجمة. لحظات رقيقة تتسلل من تحت البروتوكول الصارم، فتذكّرنا بأن اللطف يبني أعقد العلاقات أكثر مما تبنيه البيانات.

هناك مشهد آخر لا يمكن تجاهله: السعوديون بلباسهم التقليدي. الثوب والغترة يتحركان بهدوء الصحراء، وكأن رائحة البادية عبرت المحيط. فجأة يبدو المشهد الأمريكي مختلفًا: كأن العالم، لدقائق قصيرة، أصبح سعوديًا بطريقة ما. حضور يقول دون كلمات إن الهوية.. شيء يسير معنا أينما ذهبنا.

وحين يقف الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأمريكي، تلتقط الكاميرات لحظة غير معلنة:

تداخل العوالم. الصرامة السياسية تقف جنبًا إلى جنب مع العفوية الإنسانية، والهوية السعودية تتجلى بثقتها في قلب واشنطن، لتترك أثرًا خالدًا على المكان والزمان.