آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:21 ص

حين تصبح التقنية رحمة

دكتورة لمياء عبدالمحسن البراهيم * صحيفة اليوم

تشخيص أكثر من 500 مليون شخص حول العالم بمرض السكري ليس مجرد رقم عابر، بل رسالة واضحة بأن الأمراض المزمنة أصبحت تحديًا عالميًا يتطلب نماذج رعاية جديدة، وأدوات مبتكرة تتجاوز فكرة «العلاج» إلى الاستباق والوقاية وتحسين جودة الحياة. وفي هذا السياق، برزت مؤخرًا مبادرة كريمة من سمو حرم ولي العهد؛ حيث قدمت تبرعًا سخيًا بمبلغ عشرة ملايين ريال لصندوق دعم الأطفال المصابين بداء السكري من النوع الأول، التي ينفذها صندوق الوقف الصحي، بهدف تمكين الأطفال المصابين من الحصول على أحدث وسائل الرعاية والعلاج، وتحسين جودة حياتهم والتخفيف من معاناة أسرهم ويأتي هذا التبرع الكريم امتدادًا لدور سموها الإنساني في دعم المبادرات الصحية والخيرية التي تعنى بالفئات الأشد حاجة.

وفقًا لبيانات الاتحاد الدولي للسكري «IDF»، يقدَّر عدد المصابين بالسكري النوع الأول في المملكة بحوالي 222 ألف شخص، منهم أكثر من 46 ألف طفل ومراهق. وتشير الدراسات المحلية إلى أن معدلات حدوث السكري النوع الأول بين الأطفال تتراوح بين 30 إلى 33 حالة لكل 100 ألف طفل سنويًا، وهي نسب تستوجب اهتمامًا مضاعفًا من صناع القرار والجهات الصحية.

أما المضخة التي وُجه التبرع لتأمينها، فهي ليست مجرد جهاز طبي؛ بل وسيلة تمنح الطفل وأسرته أمانًا أكبر وجودة حياة أعلى. فسعر المضخة الواحدة، الذي يتراوح في السوق المحلي بين 45 - 55 ألف ريال، يجعلها خارج متناول كثير من الأسر. لكن توفيرها يقلل من المضاعفات، ويحسن السيطرة على مستوى السكر، ويخفف الأعباء النفسية والجسدية المرتبطة بالوخز اليومي.

وفقًا للنهج العالمي الحديث في إدارة الأمراض المزمنة، تعتبر التقنية والوقاية والرعاية المستمرة عبر دورة الحياة «Life-course» عناصر أساسية لتعزيز صحة المجتمع. وهذه المبادرة تتسق تمامًا مع رؤية المملكة 2030 التي وضعت الصحة الوقائية ورفع جودة الحياة ضمن أولوياتها، كما تنسجم مع نموذج الرعاية الصحية السعودي الجديد الذي يعتمد على الكشف المبكر، وتعزيز تمكين المرضى، وتقديم خدمات موجهة للأسر والأطفال.

ويأتي توقيت المبادرة متزامنًا مع اليوم العالمي للسكري الذي يُحتفل به سنويًا في 14 نوفمبر، وهو يوم عالمي يسلّط الضوء على أهمية الوصول إلى علاجات آمنة ومتقدمة، وتقليل الفجوة بين المصابين وبين التقنيات المنقذة للحياة. ومن هذه الزاوية، فإن دعم تأمين مضخات الإنسولين للأطفال لا يعالج جانبًا تقنيًا فحسب، بل يحمل رسالة إنسانية ومجتمعية واضحة مفادها أن الصحة حق، والتقنية أداة، والطفل أولوية.

هذه المبادرة ليست نقلة مالية، بل نقلة مفاهيمية؛ فهي تترجم عمليًا توجه الدولة نحو رعاية وقائية تستخدم التقنية وتسهم في تقليل المضاعفات على المدى الطويل. وإذا كان العالم اليوم يرفع شعار «الوقاية استثمار»، فإن الاستثمار المبكر في صحة الأطفال هو أوضح وأعمق أمثلة هذا الاستثمار.

استشارية طب أسرة
مستشار الجودة وسلامة المرضى
مستشار التخطيط والتميز المؤسسي
كاتبة رأي