الشيخ الصفار: الفهم الديني الصحيح يربّي على حبّ الوطن والدفاع عنه
قال الباحث الإسلامي السعودي الشيخ حسن الصفار أنه ملتزم بمرجعية العقل في فهم الدين، منفتح على معطيات العلم والفكر الإنساني، مشيرا إلى أن التجديد والتطوير منهج تفرضه طبيعة الحياة، وتقره المفاهيم الدينية.
وحذّر من أن الجمود على فهم الأسلاف يصادر حيوية الدين وقدرته على مواكبة حاجات المجتمعات البشرية في العصر الحديث.
وحول فكرة ”التقريب بين المذاهب“ قال بأنها أصبحت أكثر وضوحًا وقبولًا في أوساط الأمة بعد أن واجهت رفضًا من بعض الأطراف ووجود قلق وشكوك من أغراض الفكرة، مشيرًا إلى تبنّي العديد من المؤسسات والقيادات الدينية لها، وآخرها شيخ الأزهر لدى مشاركته في مؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي بمملكة البحرين.
إلّا أنه أشار إلى عدد من المعوقات لمدّ الجسور بين المذاهب الإسلامية أبرزها الثقافة المتخلفة التي لا تقبل التنوع والتعددية وترفض الاعتراف بوجود الآخر، بالإضافة إلى تأثيرات الموروث الثقافي المذهبي وما يزخر به من نصوص ومقولات تدعو إلى القطيعة والتباغض، وروايات لأحداث تاريخية بطريقة تؤدي إلى شحن النفوس بالكراهية المتبادلة.
ورأى الصفار إلى ضرورة مواجهة خطابات الكراهية عبر حزمة من المسارات، من خلال رفع الوعي لدى الجمهور، وترشيد الخطاب الديني، إضافة إلى الردع والتجريم الرسمي والقانوني لأي خطاب يدعو إلى الكراهية، ويثير الفتن الطائفية.
وحول إشكالية الولاء الديني والانتماء الوطني، أكّد الصفار أن الفهم الديني الصحيح، والولاء الديني الصادق، يربي على حب الوطن وخدمته والدفاع عنه، ويدعو إلى التآلف والوحدة بين المواطنين، مهما اختلفت وتنوعت انتماءاتهم الاجتماعية والدينية.
وعن تقييمه للخطاب الديني، رأى أن هناك تطوراً وتقدّم في مساحة محدودة من الخطاب الديني، تستوجب التّقدير والتّشجيع والدّعم، إلّا أن الخطاب الديني السائد بحاجة إلى مراجعة ونقد، خصوصًا الخطاب المستغرق في القضايا التاريخية والتعبئة الطائفية.
وفيما يلي نص الحوار:
اخترت خط الإصلاح والتجديد، لأن الجمود على فهم الأسلاف، يصادر حيوية الدين، وقدرته على مواكبة حاجات المجتمعات البشرية في العصر الحديث، ونحن نقبل النص الديني الثابت الصدور، ومن حقنا أن نتأكد من سلامة النقل والرواية، لأحاديث السنة النبوية، والنصوص الواردة عن أئمة أهل البيت والصحابة، فإذا ما تبيّن لنا عدم صحة السند، لا نأخذ به، وإن أخذ به الأسلاف، كما لا نجد أنفسنا ملزمين بنفس فهمهم للنصوص، فباب الاجتهاد مفتوح لنا، كما كان مفتوحًا لهم، ومتغيرات الحياة والمجتمع، قد تجعل تنزيل النصوص والأحكام وتطبيقاتها مختلفة من عصر لآخر.
إن خط الإصلاح والتجديد الديني لا زال قائمًا ومستمرًا في ساحة الأمة، وله مستقبل واعد، ومن الطبيعي أن يتشبث أصحاب الخط التقليدي بمواقفهم، ويدافعوا عن توجهاتهم، لكنهم في الموقع الخطأ من التاريخ.
ويتجلى هذا التعقيد والالتباس في ظواهر عديدة، منها استغلال الدين سياسيًا لتبرير المواقف والممارسات، وتصدي بعض الجهات الدينية للسياسة دون امتلاكها للرؤية السياسية، وانزلاق بعض هذه الجهات أو استدراجها لممارسة العنف وتمزيق المجتمع والوطن.
كما أعلن شيخ الجامع الأزهر تبنيه للفكرة ودعوته لتفعيلها، وكانت له مشاركة أساسية في مؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي، الذي انعقد في مملكة البحرين بتاريخ 19-20 فبراير 2025 م برعاية من جلالة الملك، وتبنى الفكرة أيضًا مؤتمر حكماء المسلمين في الامارات العربية المتحدة، وسبق ان تبنت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ”الإيسيسكو“ مؤتمرًا لوضع مشروع خطة للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
وهناك كتب وابحاث ودراسات ثرية، لعلماء وباحثين من مختلف المذاهب الإسلامية تعنى بتأصيل هذه الفكرة، والتأكيد على اهميتها وضرورتها، وسبل تجاوز العقبات التي تعترضها، وتبيّن مساحة الاشتراك الواسعة فكريًا وفقهيًا بين المذاهب الإسلامية، في مقابل المساحة المحدودة لموارد الاختلاف، والتي تنطلق من اسباب علمية وموضوعية، نجد مثيلها داخل كل مذهب من المذاهب.
اولًا: الثقافة المتخلفة التي لا تقبل التنوع والتعددية، وترفض الاعتراف بوجود الرأي الآخر، وتريد فرض وصايتها ورأيها على الآخرين، وتحاصر وتهمّش كل من يخالفها الرأي والمعتقد.
ثانيًا: دور العامل السياسي، فهناك قوى داخلية وخارجية تستفيد من أجواء التباعد والخلاف المذهبي، واستمرار سياسة الفرز الطائفي.
ثالثًا: تأثيرات الموروث الثقافي المذهبي، ففي تراث مختلف المذاهب، نصوص ومقولات تدعوا إلى القطيعة والتباغض، وروايات لأحداث تاريخية بطريقة تؤدي إلى شحن النفوس بالكراهية المتبادلة. وهي نصوص وروايات انتجتها ظروف سياسية واجتماعية سابقة، وكثير منها لا يثبت أمام اختبار التحقيق والتمحيص، وحتى الصحيح منها محكوم بظرفه وزمنه، ولا ينبغي ان تكون اجيال الامة اسيرة لتأثيراته، مع اختلاف الازمنة والظروف.
الأول: رفع مستوى الوعي عند الجمهور، لتحصينه تجاه تأثيراتها، وضخ ثقافة التسامح والتآلف الوطني الاجتماعي.
الثاني: ترشيد ا لخطاب الديني، لينطلق من المبادئ والمفاهيم التي أكّد عليها القرآن الكريم، كوحدة الأمة، والاعتصام بحبل الله، ونبذ التفرقة والنزاع، وعدم تكفير المسلم، وحسن الظن بالآخرين، والعدل والإنصاف حتى مع المخالفين.
الثالث: الردع والتجريم الرسمي القانوني، لأي خطاب يدعو إلى الكراهية، ويثير الفتن الطائفية.
إنما المطلوب هو تعزيز الانتماء للإطار الإسلامي العام، الذي يجمع كل المذاهب، من خلال أصول الإيمان، وأركان الإسلام، ومرجعية الكتاب والسنة. والالتفاف حول المصالح المشتركة، وحماية الوطن، وحفظ أمنه واستقراره.
والوحدة بهذا المعنى، كانت قائمة في معظم عصور الأمة وتاريخها، ولا تزال تعيشها كثير من المجتمعات، والأوطان الإسلامية.
إن الولاء للدين يعني الولاء والالتزام بالقيم والمبادئ الدينية، وهي تنسجم مع الفطرة الإنسانية، وتتوافق مع العقل، لذلك تدعو الإنسان إلى التعامل بإيجابية وموضوعية في مختلف دوائر انتماءاته الاجتماعية، حيث يحترم الدين مختلف الانتماءات، ويدعو الإنسان لحب قومه وعشيرته ووطنه إلى جانب حبه لدينه ومذهبه.
وإذا ما وجدنا إشكالية في بعض المجتمعات، في تحقيق الانسجام والتوازن بين انتماءاتها المختلفة، فذلك دليل على وجود خلل في ثقافة ذلك المجتمع، أو في الواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه.
فقد تنتشر في بعض المجتمعات ثقافة عرقية وقومية عنصرية، أو تنتشر ثقافة دينية متطرفة، وقد يعيش المجتمع واقعًا سياسيًا لا يتحقق فيه مفهوم المواطنة، أو يعاني من اختراقات سياسية أجنبية.
إنه لا بد من التأكيد على أن الفهم الديني الصحيح، والولاء الديني الصادق، يربي على حب الوطن وخدمته والدفاع عنه، ويدعو إلى التآلف والوحدة بين المواطنين، مهما اختلفت وتنوعت انتماءاتهم الاجتماعية والدينية.
لكن معظم مساحة الخطاب الديني، تعاني كثيرًا من نقاط الضعف والخلل، وتستوجب المراجعة والنقد، ويمكننا الإشارة إلى بعض هذه النقاط:
أولًا: ضعف المواكبة للتطور الثقافي والاجتماعي، فالجمهور الذي يُوجه إليه الخطاب الديني اليوم، جمهور متعلم منفتح على الثقافات العالمية المختلفة، ويواجه تحدّيات هائلة على الصعيد الفكري والسلوكي، وخاصة جيل الفتيان والفتيات، إنه بحاجة ماسّة لخطاب ديني يتناسب مع ثقافته وانفتاحه ولغة عصره، ويتحدّث عن همومه، ويعالج مشكلاته، بينما نجد في كثير من الخطاب الديني السائد، اجترارًا وتكرارًا وطرحًا تقليديًا، ومستوى بدائيًا من الناحية العلمية والمعرفية.
ثانيًا: الافتقار إلى اللغة الجاذبة والأسلوب المؤثر، وذلك ما يجعل الخطاب الديني غير قادر على منافسة المنصات الإعلامية والثقافية الأخرى، التي تعتمد الابداع والابتكار والتطوير في فنون الأداء، وأساليب التأثير، ومهارات الاقناع.
ثالثًا: الاستغراق في القضايا التاريخية والتعبئة الطائفية، إنه لا يمكننا تجاهل تاريخنا الإسلامي، خاصة عهوده الأولى، وسيرة النبي ﷺ وأئمة أهل البيت
، والصحابة الأبرار رضي الله عنهم، فمنه نستلهم كثيرًا من القيم والمفاهيم والدروس والعبر، لكن علينا أن ننتقي منه ما يفيدنا في فهم ديننا، وتصحيح مسار حياتنا، أما الاستغراق في التفاصيل الجانبية، وإثارة الجدل والخلاف حولها، على حساب معالجة قضايا الحاضر، فذلك هدر للوقت والجهد، وتشتيت لاهتمامات الجمهور.
كما أن الاستغراق في التعبئة الطائفية، والجدل المذهبي العقيم، الذي تثيره بعض القنوات الفضائية، وبعض الدعاة التكفيريين والمتطرفين، هو ما يصنع أجواء الفتن الطائفية، ويزرع الضغائن في النفوس، ويقود إلى النزاعات والصراعات، وتمزيق الأوطان.
وبعضهم قد يكون جزءًا من مشروع لإثارة الفتن، وخلق الصراعات، خدمة لسياسات معينة، لإشغال مجتمعات الأمة، وتمزيق الأوطان، وتحقيق أهداف الأعداء، وقد لا يعي ذلك.
والمطلوب توعية الجمهور وتحصينه، حتى لا يستجيب لهذه النماذج والبرامج، ولا ينخدع بها.
بقي ان أشير إلى أن هناك من ينخرط في هذه المناظرات والجدالات المذهبية، بنية حسنة ومقصد نبيل، يريد أن يدفع التهم الباطلة التي تكال لمذهبه، وأن يوضّح الحقائق التي يراها مغيبة عن الجمهور، لكن النية الحسنة، والقصد النبيل، لا ينبغي أن يحجب عن الإنسان سوء النتائج، والأضرار الناشئة عن مثل هذه البرامج.














