آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:21 ص

السعودية وأمريكا بين زيارتين «1»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

خلال هذا الأسبوع يزور سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الولايات المتحدة بعد مضي نحو سبع سنوات ونصف على زيارته السابقة في مارس 2018. وبين الزيارتين خطت السعودية خطوات واسعة في تحقيق رؤيتها 2030 وتعزيز تأثيرها إقليمياّ وعالمياً، فكانت مبادرةً وقوة دافعة لتحريك ملفات إقليمية ودولية، وأثبتت أن رؤيتها تتجاوز حدودها لتتعامل مع أجندات متعددة ليس أقلها إصرارها على تنويع اقتصادها منطلق من استشعار لضرورة تعزيز مرونتهِ والارتقاء بإنتاجيتهِ وقدرتهِ التنافسية، وليس من منطلق الفهم القاصر لوكالة الطاقة الدولية، والذي اضطرت الوكالة للتراجع عنه في تقريرها الأخير الذي نشر تزامناً مع قمة المناخ المنعقدة حالياً في البرازيل، وأقرت ببعد وصول الطلب على الوقود الأحفوري إلى ”قمته“ في العام 2030 والغاز في العام 2035.

وحالياً، يتصدر الاقتصاد السعودي في منطقة الشرق الأوسط باعتباره الأعلى - بفارق - من حيث قيمة الناتج المحلي الإجمالي «1.1 ترليون دولار بالأسعار الثابتة وفقاً لصندوق النقد الدولي» ومن حيث قطاعي المال «تداول 3.2 ترليون دولار» والتصنيع «158 مليار دولار وفقاً لمنظمة يونيدو التابعة للأمم المتحدة»، ومع ذلك نطرح السؤال: ما المسافة التي قطعها الاقتصاد السعودي خلال سبع سنوات ونيف؟ الإجابة المباشرة: ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.4 ترليون من 3.3 ترليون إلى 4.7 وفق الإحصاءات الرسمية حتى نهاية 2024، ومتوقع أن ينمو بنحو 5 بالمائة في العام 2025. ولعل النجاح الواضح يكمن في تحرك الاقتصاد في اتجاه توليد قيمة مضافة أكبر من الأنشطة غير النفطية التي مُكنت من كسر حاجز ال 50 بالمائة نتيجة لمساهمة الأنشطة غير النفطية ولا سيما السياحة من خلال أنشطتها المباشرة وغير المباشرة والمستحثة.

وعند النظر بعمق نجد أن إقبال الأنشطة غير النفطية على الاستثمار تضاعف بنحو 2.4 ضعفاً مع نهاية 2024 عما كان عليه في العام 2018، ليتجاوز حاجز الترليون ريال، مما يشير إلى أن إقبال المستثمرين على الاقتصاد السعودي ليس قصير المدى، وأن محرك النمو هو الاستثمار الخاص ليأخذ دوره في قيادة الاقتصاد السعودي؛ فعند المقارنة نجد أن الضخ الاستثماري للحكومة تجاوز بقليل 200 مليار ريال في حين تجاوز الضخ الاستثماري للأنشطة غير الحكومية 1.2 ترليون ريال، جلها «1 ترليون ريال.» مصدره أنشطة غير نفطية. وبين السنتين «2018 و 2024» تراجعت البطالة بين السعوديين تراجعاً كبيراً، حيث كان معدل البطالة بين السعوديين 12.7 بالمائة في نهاية العام 2018، تراجع بتؤدةٍ وثبات إلى 7 بالمائة نهاية العام 2024 ثم إلى 6.8 بالمائة في الربع الثاني من العام 2025. لينضم بذلك معدل البطالة إلى مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي تحققت قبل موعدها بسنوات، ومنها مستهدفات معدل مشاركة المرأة في سوق العمل، وتملك السعوديين للمساكن، وتغطية الرعاية الصحية، وعدد السياح، وعدد المعتمرين.

وشهدت الفترة تحسناً في ترتيب السعودية في مؤشرات عالمية رئيسة مقارنة بدول العالم، حيث تقدمت إلى المرتبة 18 بمعيار الناتج المحلي الإجمالي والمرتبة 15 بمعيار القوة الشرائية للناتج المحلي الإجمالي، والمرتبة 35 في التنمية البشرية، و 17 في مؤشر سهولة أداء الأعمال، و 17 في مؤشر التنافسية، و 22 في مؤشر التنافسية الرقمية، 46 في مؤشر الابتكار العالمي، و 38 في مؤشر أداء اللوجستيات. وفضلاً عن ذلك أن الاقتصاد السعودي كان الأعلى نمواً ضمن مجموعة دول العشرين في الربع الثالث 2025 بمعدل 1.7 بالمائة «بالتعادل مع الهند».

وضمن هذا السياق التحولي القائم على تحقيق مستهدفات طموحة تأتي الزيارة الثانية لولي العهد، ولم تخطئ مراكز البحث الأمريكية في تلمس ذلك النجاح، حيث أبرز العديد منها الزيارة كفرصة لتعزيز شراكات ذات صلة وثيقة بالتنويع الاقتصادي وزيادة تنافسية الاقتصاد السعودي ولا سيما في مجالات في مقدمتها الذكاء الاصطناعي وبنيته التحتية، ولم يفوتها أن الاتفاقات التي ستنجز إبان الزيارة ستكون ذات تأثير جوهري على الاقتصاد الأمريكي كذلك، ومن هنا يأتي الاهتمام الأمريكي الجم من قِبل إدارة الرئيس ترامب والشركات الأمريكية العملاقة، إذ تشير قد تضيف بين 1-1.8 بالمائة للناتج المحلي الأمريكي، وفق بعض التقديرات الأمريكية المصدر؛ فمن جهة ستحفز الزيارة الاستثمارات السعودية في أمريكا، إذ من المتوقع أن يكون لصندوق الاستثمارات العامة دوراً بارزاً في تمويل مشاريع الطاقة المتجددة والنووية والتقنية، وكذلك ربط الاتفاقات الدفاعية بالتنويع الاقتصادي تماشياً مع مستهدفات رؤية 2030 لتوطين الصناعات الدفاعية محلياً. ولا يفوت أن دوراً مهماً يمارسه القطاع الخاص في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي الذي تنظمه وزارة الاستثمار بالاشتراك مع مجلس الأعمال السعودي الأمريكي. «يتبع»

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى