آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:57 ص

قواعد الحكمة في المجالس

محمد يوسف آل مال الله *

قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ‏ [المجادلة: 11].

في المجالس—سواء كانت عامة أو خاصة—يُقاس نضج الإنسان ورجاحة عقله بطريقته في الحضور، لا بكثرة كلامه. ويمكن تلخيص ما ينبغي فعله بطريقة عملية وقابلة للتطبيق دون عناء.

هناك عدة قواعد مشتركة للجلوس عمومًا، سواء كانت هذه المجالس خاصة أو عامة منها…

1. الحضور بوعي لا بوجودٍ جسدي فقط، لذا عليك أن تكون يقظًا ومهتمًا بما يدور حولك، وأن تنبه للغة جسدك، فهي تُظهر أدبك واحترامك قبل الكلمات.

2. التحدّث بقدر الحاجة، بمعنى آخر، لا تُكثر من الكلام، ولا تصمت صمتًا جافًا وليكن كلامك موزونًا، نافعًا، ذا قيمة، أو على الأقل غير مُثقل على الآخرين.

3. الاحتفاظ بأسرار المجلس، فمن أهم علامات المروءة ألّا تخرج معلومة قيلت في مجلس خاص إلى خارجِه ولا تذكر شخصًا غائبًا بسوء، فذاك من الغيبة.

4. المشاركة بتهذيب وذلك عندما يُطلب رأيك، قدّمه بلطف ووضوح وتجنّب الجدل العقيم أو رفع الصوت.

5. مراقبة أثر وجودك وذلك من خلال الآتي:

•هل تزيد المجلس هدوءًا أم توترًا؟

•هل تضيف معرفة أم ضجيجًا؟

•هل أنت عنصرًا مريحًا للآخرين أم مزعجًا؟

وهناك بعض القواعد المتعلقة بالمجالس الخاصة «بين أصدقاء، عائلة، عمل»، منها…

1. تقديم الأمان العاطفي، وذلك أن تجعل الآخرين يشعرون بأنّه يُمكنهم التحدّث دون خوف من السخرية أو النقل.

2. الاستماع أكثر، من الكلام، ففي المجالس الخاصة تُستثمر العلاقات، لا تُختبر. لذلك الإنصات هنا أهم من الحديث.

3. اللطف في الاختلاف، من المعروف أنّ الاختلاف أمر طبيعي، لكنّ نبرة الصوت ونوعية الرد هي التي تبني أو تهدم.

4. تجنّب الاستعراض والرياء، فلا تذكر إنجازاتك أو علاقاتك أو معلوماتك إلّا بقدر ما يخدم الحديث، فالمجالس الخاصة ليست مسرحًا للعروض.

5. الحافظة على حدودك وحدود الآخرين، وإيّاك أن تتدخل فيما لا يعنيك، كما لا تسمح لأحد بتجاوز احترامك الشخصي مهما كانت درجة القرب منه.

يمكن تلخيص القواعد المتعلّقة بالمجالس العامة «مناسبات، لقاءات، أماكن رسمية» فيما يلي:

1. الاختصار قدر الإمكان، فالكلام القليل الواضح يُقدّر أكثر من المداخلات الطويلة.

2. الارتقِاء بالطرح، ففي المجالس العامة، ينعكس كلامك على ثقافتك وتهذيبك. لذا تجنّب المزاح الثقيل أو السخرية من الآخرين.

3. المحافظة على الاتزان، فالتوتر، الانفعال، أو المبالغة تُفقد الشخص وقاره. لذا يجب أن تجلس بهدوء، وشارك بقدر مناسب.

4. الانتباه إلى المظهر، ليس تكلّفًا، بل لأن الناس في المجالس العامة يبنون انطباعات أولية سريعة.

باختصار، فإنّ المجالس مدرسة، يظهر فيها أدبك، وذكاؤك الاجتماعي، وطريقة قيادتك لنفسك. فالإنسان الراشد هو من يترك أثرًا طيبًا، لا ضجيجًا، ومن يُشعر الآخرين بالألفة، لا التوتر. فالحكيم في المجالس هو من يُضيف للقلوب قبل أن يُضيف للكلام، ويغادر وقد أشرق المكان… لا لأنه تكلّم، بل لأنه حضر.

دع حضورك يترك أثرًا جميلًا وعِلمًا نافعًا.