سمات الشخصية الناضجة
تُعدُّ الشخصية الناضجة من أكثر الشخصيات احترامًا وتقديرًا في المجتمع، إذ تعكس النضج الداخلي للفرد وعمق فهمه للحياة ومواجهة تحدياتها. وتتميز هذه الشخصية بمجموعة من السمات التي تُظهر توازن الإنسان بين العقل والعاطفة، وتساعده على التعامل مع نفسه ومع الآخرين بطريقة رشيدة وهادئة.
ننطلق من ميزة الوعي الذاتي التي تكون في الشخص الناضج الذي يمتلك وعيًا عميقًا بنفسه، يعرف نقاط قوته وضعفه، ويقبل ذاته كما هي.
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36].
قال النبي ﷺ: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» «رواه أبو داود»، أي الوعي بالاختيار الشخصي للأصدقاء والمحيط يعكس نضج الفرد.
ومن أبرز سمات النضج القدرة على التحكم في المشاعر والانفعالات، حتى في المواقف الصعبة، وهذا ما يعرف بالتوازن الانفعالي لتكون ردود الأفعال محسوبة وتناسب الموقف.
قال رب العالمين: ﴿وَالَّذِينَ يَصْبِرُونَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَغْيِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [آل عمران: 17].
قال ﷺ: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».
كما أن الشخص الناضج يدرك أن لكل فعل مسؤولية، ويتقبل نتائج أفعاله بصدر رحب، ولا يكابر لأنه بذلك يجعل ويرسم لنفسه الطريق الصحيح الذي سوف يجنبه الخطأ والوقوع فيه مرة أخرى.
قال جلّ وعلا: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المزمل: 38].
قال الإمام علي
: «الناس أعداء ما جهلوا»، أي المسؤولية تبدأ من المعرفة والوعي بالواجب.
كما يتحلّى الفرد الناضج بالتفكير الواقعي الإيجابي والمرونة في مواجهة التحديات، واستخدام الأدوات والمهارات الصحيحة والمناسبة للتعاطي مع المعضلات المختلفة.
قال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5-6].
قال ﷺ: «تفاؤلوا بالخير تجدوه» «رواه الترمذي»، أي الحفاظ على التفكير الإيجابي.
يظهر النضج في احترام آراء الآخرين والاستماع لهم بصبر دون ضجر أو ملل، فإن احترام شخصية أي إنسان هو مفتاح الدخول إلى قلبه.
قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83].
قال الإمام علي
: «عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به» [نهج البلاغة].
ويسعى الشخص الناضج على الاعتماد على جهده الشخصي مع طلب المشورة عند الحاجة.
قال جلّ وعلا: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 105].
كما أن النضج لا يعني الثبات على المعرفة القديمة، بل يشمل تطوير الذات باستمرار.
قال الإمام علي
: «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»، أي أن التعلم لا يتوقف طوال الحياة.
لبناء الشخصية الناضجة لا بدّ من المرور بسلسلة من الخطوات المتدرجة التي تصنع التوازن الداخلي، والوعي الذاتي، والقدرة على التعامل الحكيم مع الحياة والناس.
ونخلص إلى أنّ الشخصية الناضجة ليست وليدة الصدفة، بل نتيجة خبرات وتجارب حياتية تجعل الإنسان أكثر حكمة ووعيًا. ومعرفة سماتها والسعي لتطويرها يساعد الفرد على النجاح في حياته الشخصية والاجتماعية، ويجعله نموذجًا يُحتذى به في المجتمع.
قال تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114].













