قنفذُ الغيرة
أتذكر حكاية أنثى القنفذ: عندما يتزوج شريكها بأخرى حيث تُجهّز لهما بيتًا جديدًا وتجعله يبدو كهدية فإذا اطمأنّا إلى المأوى دفنتهما معًا يا الله …فهل القصة في القنافذ وحدها؟ لا بالطبع إنما في الرمزية التي تحملها إلى ثقافة النساء في مجتمعاتنا: الغيرة، الكيد، والرغبة في الانتصار مهما كان الثمن، وحب التملك للشريك.
إنها حكاية تُروى بيننا على ما يبدو وهي واقعية كطرفة لكنها تكشف عن واقع موازٍ: الزوجات بين حب يشتعل في القلوب وخوف من أن يشاركهن رجلهن قلبه مع أخرى. هنا تتحرك المشاعر في صراع دقيق بين العاطفة والعقل بين الغريزة والحكمة. في السوق وعلى عتبات البيوت وحتى في أحاديث التطبيقات إذ تُنسج آلاف الروايات: زوجة تبكي في سرها وأخرى تعلن الحرب جهارًا على الملأ وثالثة تلوّح بالرحيل والانفصال ورابعة تغدو كالقنفذ تبتكر أسلوبًا من كيد قاتل وموجع يُطبخ على نار هادئة ويترك ليؤتي أثره ببطء.
والمجتمع بين جد وفكاهة يعلق فمنهم من يرى الغيرة دليل عشق ومنهم من يعدها نارًا تحرق البيت قبل أن تصل إلى ”الضرة“. تصبح الزوجة في تلك الثقافة كأنها تكتب فصلًا جديدًا من قصة قديمة: هل أحتوي الرجل بحنان وذكاء أم أقاومه بالكيد والمكر؟ غير أنّ كيد المرأة وإن خُيّل بسيطًا يمتلك من الدهاء ما يكفي ليفك عقد الممالك ويقلب مسارات العائلات بأكملها.
لا ينكر أحد أن الغيرة شعور إنساني طبيعي لكنها عندما تتحول إلى سلاح تصبح أشبه بتلك الحفرة التي تحفرها أنثى القنفذ. فالغيرة إن لم تُروّض بالحكمة ستدفن أصحابها قبل أن تؤذي غيرهم. وهنا يتجلى السؤال الأعمق: هل الغيرة علامة قوة أم اعتراف بالضعف؟ وهل الكيد ذكاء يُنقذ أم طريق يُغرق؟
في حديث الناس اليوم، نجد التباين: هناك من يصف الزوجة الغيورة بأنها حارسة للعاطفة وهناك من يراها سجانة للحب. وبين المدح واللوم تبقى الحقيقة أن المرأة تحمل في داخلها قدرة عجيبة على صناعة مأوى للدفء أو مأوى للدفن. ومتى وعَت أنّ الفارق بين الاثنين قرار لحظي تغيّر مسار الحكاية بأكمله.
وهكذا تتحول حكاية أنثى القنفذ إلى انعكاس لثقافتنا: قصة ساخرة ومؤلمة واقعية تمتزج فيها الضحكة بالعِبرة وتبقى محفورة في وجدان الناس كتذكار أنّ الغيرة تُروى بما تُحدثه الدموع من أثر في المصير.
لكن ليُفهم المقال كما يجب ويجدر التذكير أنّ الحديث هنا لا يهاجم المرأة ولا يُشجّع الرجل على الزواج بأخرى ولا يبرر أفعال أحد على حساب الآخر. هو تأمل إنساني استدعاه من الذاكرة مشهد رمزي عن أنثى القنفذ فكان مساحة للتفكر في الغريزة البشرية حين تتقاطع مع الخوف والأنانية والحب. هو محاولة لفهم الطبيعة الإنسانية كما هي: مزيج من الدفء والجنون ومن الحنان والغيرة ومن الحكمة والغريزة.
فالمقال بوح إنساني يكشف ما يتوارى خلف الوجدان بلا حُكم يُدين أحدًا. هو نداء خافت إلى القلوب أن تتأنّى قبل أن تشيد بيديها مسكنًا جديدًا للوجع والألم.













