آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 2:41 م

حديث عابر في المنطق

طاهر علي آل طرموخ

العقل مخزن المعرفة والمنطق طريق التفكير المتزن، وسلامة الحديث تكمن في ربط العقل بالأسس المنطقية، وبريق الكلمة يظهر ويلمع حين يحتضن الحرف أخاه بنمط منمق وغير مكره على الشذوذ أو التناقض.

عندما يتأمل الإنسان فيما حوله تتكون لديه فكرة، وعندما تتكون لديه الفكرة تتولد في عقله خريطة معرفية جديدة، وبهذا تصنع وتصاغ وتتجدد وتنمو شبكات النماء الفكري لديه، بحيث يمكنه أن يفهم وأن يدرك ما هو فيه وما عليه وما أحاط به من تناقضات وخفايا ودسائس، وكذلك يمكنه أن يظهر ما يعلمه أو ما تعلمه بطريقة حرفية ومهنية، وبأبجدية دقيقة في تشكيلها ودلالاتها.

من المعلوم بديهياً أن علاج الجهل المعرفة، وردود الأسئلة هي الأجوبة، وقبول الشيء أو الأمر بحاجة إلى استساغة، وهكذا هو الحال في كل ما يتعلق بما هو مقبول أو مرفوض عند كل الكائنات وخصوصاً الإنسان.

الإنسان حين يطرح فكرة أو حين يتحدث عن أمر ما فهو بحاجة إلى قدرة إنشائية يستطيع من خلالها بناء أسس ودعائم تشيد ما يَصبو إليه وترفع ما تهدف إليه نفسه الداخلية، وبحاجة كذلك إلى مسلك ومسار لإيصال ما يريد ُ بكل عذوبة وأريحية، وهذا لا يكون إلا حين يكون المنطق رفيق عقله.

المنطق في تعاريف المفكرين والباحثين والعلماء قد يختلف في طريقة الطرح ولكنه يتوحد في المادة الموضوعية. فمن ناحية اختلاف الطرح فهو تشكيل كلامي وسلوكي يتكون بحسب قوة التفكيك والتركيب في المعنِيّ والملفوظ والمفعول، أما من ناحية توحد المادة الموضوعية فهو الخريطة الدلالية التي تحدد الواقعية وتصحح النص والمعنى وتزن الأمور وتظهر حقيقة الفعل.

العقل المنطقي حين يتلقى طارئاً خارجياً، سواء أكان ذلك الطارئ لفظياً سمعياً أو صوريًا مرئيًا، فهو يقوم بعملية تحليل شاملة لكل ما تلقاه، بحيث يربط بين الشيء والشيء وبين الملفوظ والمقصود وبين الفعل وسببه وبين الظاهر والخفي، وبهذا تظهر أمامه خوارزميات معرفية كانت مخزنة مسبقاً في ذاكرته فيستطيع الوصول بها عبر شبكة فكرية ترابطية إلى المطلوب والمفروض وإلى الصحة والسلامة وإلى الحقيقة والتجلي وإلى الصياغة والتركيب وإلى الصالح والفاسد.

المنطق حين يكون أداة التفكير الأساسية والمعتمدة ذهنياً تنقشع ضبابية الأمور وتنعدم الحيرة وينهدم التخبط وتبرز أغصان الذكاء بحيث تثمر تصورات الإنسان الفكرية والتفاعلية والوجدانية كما تثمر الأشجار في مواسمها، وعندها يجد المرء نفسه أمام كم هائل من الحلول ومن الفرضيات والنظريات التي يصل بها إلى الصواب والإبداع.

لو تأملنا أحاديث وكلام المنطقيين لوجدنا أن فيها تراكيب لفظية متجانسة ودقيقة وجميلة من الناحية اللغوية والدلالية، وأن قراءتها سلسة وسهلة الفهم ومقبولة نفسياً وعقلياً. إضافة إلى ذلك نرى فيها دافعاً معنوياً قوياً أن نكون مثلهم من ناحية طريقة تفكيرهم ومن ناحية ربط المعلومات والمعطيات والدلائل ببعضها والخروج بنتائج صحيحة ودقيقة ومذهلة.

الإنسان حين يتعلم المنطق سوف يصبح قادراً على مجابهة الكثير من الأمور، وسوف يكون ذو تأثيرٍ ملموس فيما حوله، وسيكون كذلك إنسانٌ ذو منهج قوي ومتين وخالٍ من ركاكة المحتوى النصي واللفظي وفارغ من عشوائيات الفعل والتصرف، وقادر كذلك على استنطاق الخفي والمكتوم.

كذلك لا ننسى أيضاً أن ننوه بأنّ المنطق يعتبر أسلوب حياة عفوياً ينتهجه الإنسان فطرياً دون الحاجة للرجوع إلى معاجم وشروحات المنطق، وهذا يعود إلى وجود وعي مسبق عنده، فالإنسان المتعلم والمطلع واعٍ وبصير ومقارن ومخزونه المعرفي قادر على وزن الأمور وتحليلها بشكل دقيق وواضح مما يجعله قادراً على تحقيق النتائج الصحيحة.

ختاماً أقول: إنّ الجمال والإبداع والابتكار والتميز والرقي وكل ما هو حسن ما هو إلا صورة جزئية منعكسة ومتجلية من ذلك المنطق المتسع الذي يستطيع الإنسان أن يحمله في عقله، فالمنطق حين يحضر وحين يكون، تكون معه الجملة وتكون معه المعاني وتكون معه اللغة التي تصيغ الإنسان نفسه وتصيغ ما حوله بأبهى حلة.