آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 2:41 م

لماذا يشتري الناس ما لا يحتاجون إليه؟!

سوزان آل حمود *

في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتتعقد فيه الظروف الاقتصادية، نرى ظاهرة غريبة تزداد انتشارًا: اقتصاد التفاخر. إنه عالم يختلف فيه الناس في مشترياتهم، لا بناءً على الحاجة، بل على الرغبة في التميز والسبق. يصبح الشخص في سباق محموم ليكون أول من يقتني أحدث هاتف ذكي، أو آخر صيحة في عالم الموضة، أو حقيبة من ماركة عالمية. ليست المسألة هنا مجرد رغبة في التملك، بل هي رغبة في إظهار المكانة والنجاح.

المفارقة تكمن في أن هذا السعي المحموم وراء المظاهر غالبًا ما يحدث في ظل ظروف معيشية صعبة وأزمات اقتصادية متلاحقة. يتجاهل كثيرون أعباء الديون المتراكمة، ويقترضون لشراء سلع لا تخدمهم إلا في تحقيق غاية واحدة: التفاخر أمام الآخرين. وكأن قيمة الإنسان لم تعد تُقاس بما يملكه من علم أو أخلاق، بل بما يرتديه أو يقود. يصبح الهاتف باهظ الثمن، أو الساعة الفاخرة، أو حتى السيارة الرياضية، بمثابة وسام شرف يمنح صاحبه شعورًا مؤقتًا بالرضا والتقدير.

هذه الحاجة الملحة إلى إثبات الذات من خلال الماديات هي في جوهرها انعكاس لنقص داخلي. عندما يفتقر الإنسان إلى الثقة بالنفس، يلجأ إلى هذه المشتريات المبالغ فيها لتعويض هذا النقص. وكأن المقتنيات أصبحت مرآة يرى فيها صورة نفسه التي يود أن يكون عليها، لا صورته الحقيقية. يتناسى هؤلاء أن السلع الفاخرة مهما كانت باهظة الثمن، لا يمكنها أن تملأ الفراغ العاطفي أو الروحي. إنها مجرد غطاء زائف يختبئ وراءه الإنسان ليخفي ضعفه.

في نهاية المطاف، يستيقظ هؤلاء الأشخاص على حقيقة مريرة: التفاخر الزائف لم يترك لهم سوى المزيد من الديون ومشاعر الندم. يتفاجؤون بأن كل ما اشتروه ليتباهوا به لم يعد يثير اهتمام أحد، وأن قيمتهم الحقيقية لم تزد أو تنقص به. يكتشفون أن الحياة أكبر وأعمق من مجرد سباق على المظاهر. إنها رحلة تستحق أن تُعاش بكل ما فيها من تجارب حقيقية وإنجازات ذات معنى، وليست مجرد واجهة لامعة.

إن التحرر من هذا النمط الاستهلاكي المبالغ فيه هو خطوة نحو فهم أعمق للذات وللحياة. الحياة الحقيقية ليست في ما تملكه، بل فيما أنت عليه، وفيما تقدمه للعالم من إسهامات قيمة.