آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 1:30 م

قلم مكسور

عبد الله حسين اليوسف

وقفتُ طويلًا أمام رفوف الكتب، استعيد شغف القراءة الذي غاب قليلًا، وأتصفّح عناوين متنوّعة بين الثقافة والدين والاجتماعية والشعر والأدب والصحية. ومن خلال هذه العودة البسيطة لعالم الكتب، خرجتُ بعدّة ملاحظات أحببتُ أن أشاركها.

لفت نظري أولًا حجم الكتب؛ فلم يعد هناك ذلك الحجم المعتاد المتوازن، بل إما كتب ضخمة ثقيلة بالكلمات والورق، أو كتيّبات صغيرة جدًا تكاد لا تمسكها اليد. كأن الكتب تخوض حمية قاسية تقلّص جسدها أو تُضخّمه بلا مقياس.

أما الطباعة، فبعضها فقد بريقه ووضوحه. أوراق خفيفة سريعة التمزق، وألوان باهتة لا تليق بفكر المؤلف. يشعرك بعضها وكأننا عدنا إلى بدايات صناعة الورق والطباعة، حيث لم تكتمل الخبرة بعد.

ومن أغرب ما لاحظتُ هو اختيار العناوين. بعضها لا يعبّر عن مضمون الكتاب، بل يكتنفه الغموض والتكلف، وكأن الكاتب أراد إبهار القارئ باللغز بدل الفكرة. العنوان رسالة أولى للقارئ، فإذا لم يفهمها، فكيف سيواصل القراءة بثقة؟

أما المحتوى، ففيه تنوّعٌ فكري جميل: أدبي، وشعري، وثقافي. لكن بعض الكتب تحتاج وقتًا وصبرًا لفهمها. قد يكون القصور من القارئ الذي يبحث عن قراءة سريعة، أو لأن اللغة والمفاهيم أعمق من مستوى إدراكه الحالي. ومهما يكن، فإن التواصل بين الكاتب والقارئ لا يكتمل إلا بتوازن بين العمق والوضوح.

تصفّحت كتبًا كثيرة وجدتُ فيها مقالات جميلة، لكنها أحيانًا تدور حول الفكرة دون أن تصيب الهدف. ينتقل بعض الكتّاب من موضوع إلى آخر دون رابطٍ واضح، وكأنهم يقولون للقارئ: أكمل أنت ما بدأناه.

في المقابل، هناك كتب تُشيد بكمالها وانضباطها. كتبٌ تمتلك منهجًا واضحًا:

مقدمة تمهّد للفكرة، فصول متسلسلة بعناوين دقيقة، فواصل وخلاصات مفيدة، خاتمة تلخّص الرسالة، وتقريض من شخصية معتبرة. كما تُزيَّن أغلفتها بتصميمٍ فني من رسامٍ أو مصممٍ محلي، ويُراعى فيها التدقيق اللغوي والإملائي والدلالي بدقة واحترام للقارئ.

في النهاية، لا يسعنا إلا تقدير كل جهدٍ ونتاجٍ فكري لأبناء الوطن في صناعة الكتاب ونشره ورقيًا أو رقميًا أو صوتيًا. وأرى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون شريكًا داعمًا في الإخراج والتصميم والمراجعة، لكن بشرط أن يظل الكاتب صاحب البصمة والفكر، فلا تختفي ملامح روحه خلف أدواتٍ بلا إحساس.

ختامًا،

وما من كاتب إلا سيفنى.. ويبقي الدهر ما كتبت يداه

فلا تكتب بكفك غير شيء.. يسرك في القيامة أن تراه

الكتاب هو مرآة الكاتب والقارئ معًا. وإذا انكسر القلم يومًا، فربما لا ليفقد قدرته على الكتابة، بل ليتأمل، ويعود يكتب بوعيٍ أعمق وحبرٍ أصدق.