آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 2:11 م

المعلم والمدارس الأهلية

فاضل أحمد هلال

قال تعالى: ﴿يُؤْتِ الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة: 269].

تحية طيبة لك من القلب أيها المعلم الفاضل المتميز والرجل المتألق، صاحب الرسالة القدسية الذي لطالما أغدقت علينا من علمك وكنت قدوة ونموذجًا يُحتذى به للطلاب، ولطالما تعلمنا منك الكثير من القيم والمعارف والعلوم والآداب والأخلاق. نِعْمَ المربي أنت، ونِعْمَ الأب الذي يساند ويؤازر الآباء في تهذيب وتعليم وتنشئة جيل متعلم على مدار الرحلة الدراسية والتعليمية. فإني، وبكل اعتزاز واحترام، أرفع لك، معلمي العزيز، القبعة تقديرًا وفخرًا بك. فهل أنت يا معلمي الفاضل، بقلبك الكبير وفكرك التطلعي الواسع وأخلاقك الرفيعة وصبرك الجميل، لا تستحق مني التقدير؟ بل تستحق أكثر من ذلك.

وإننا في هذا المقال البسيط أحببنا أن نتطرق ونتحدث عن ذلك المعلم والأستاذ في المدرسة الخاصة والأهلية، فهل هو نفسه ذلك المعلم في المدارس الحكومية أم مختلف عنه؟

قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11].

نحن نعلم وعلى يقين أن مهنة التعليم مهنة رسالية وتعليمية وتثقيفية، تعتمد على قدرات وإمكانات وطبيعة فكرية وقدرة عقلية وجسدية للمعلم، فجميع الحواس في الجسم تُعطي إشارات تساعده على إيصال المعلومات للطالب على مستوى عقلي وفكري وثقافي لجميع الفئات. فهي مهنة متعبة جدًا ومتجددة وتحتاج إلى كم كبير من الثقافة والمعلومات والمعارف المختلفة. وإن المعلم يتعامل مع شريحة كبيرة من الطلاب في صف دراسي واحد بمستويات عقلية وفكرية وثقافية متباينة، تتطلب منه الكفاءة العالية والمؤهلات العلمية اللازمة للتدريس التي تساعده على إيصال المعلومة لجميع الطلاب مع مراعاة الفروق الفردية بينهم. ويجب عليه أن يعمل بكل إخلاص وذمة، ويمارس هذا العمل طوال يومه العملي من دون ملل أو تعب، كما يجب عليه التركيز في عمله وينسى جميع الضغوط الخارجية والمشكلات المجتمعية وغيرها مما قد يعرقل الأداء الوظيفي لديه، بالإضافة إلى المتابعة والتحضيرات في المنزل. وهذا ينطبق على جميع المعلمين في المدارس التعليمية. فهل هنالك فرق بين المعلم في المدرسة الخاصة والأهلية والمعلم في المدرسة الحكومية؟

قد يلجأ الشخص المحب لمهنة التدريس إلى الالتحاق بوظيفة معلم في مدرسة خاصة كخيار بديل يتناسب مع تخصصه ومؤهلاته العلمية والدراسية التي تؤهله لمهنة التعليم، وقد يقبل براتب متدنٍ جدًا في بداية الأمر، اعتقادًا منه بأنها فترة مؤقتة حتى يلتحق بالوظيفة الحكومية. وفي هذه الفترة يكتسب الخبرات والدورات التعليمية والثقافية المتطورة التي تدعم موقفه كمعلم ممارس كفء تؤهله للتعليم أو تعطيه الأولوية في التدريس، وذلك بسبب امتلاكه القدرات والكفاءات الأفضل في أسلوب التعليم والتدريس والإبداع، والتي من المفترض أن تعطيه الأولوية في الالتحاق بالوظائف التعليمية كمعلم لديه الجاهزية والخبرة العملية في المجال نفسه. ولكن مع الأسف لم تُتَح له الفرصة في الالتحاق بالكادر التعليمي الحكومي، وقد تطول مدة عمله في المدرسة الخاصة وتنقضي به السنين، ويكبر في العمر ويفكر في الزواج وتكوين أسرة.

فهل مع هذا الدخل البسيط الذي لا يؤهله في الغالب لحياة بسيطة لرجل أعزب، سيؤهله لتكوين عائلة، وبالأخص في زمننا الحاضر مع ارتفاع تكاليف المعيشة والحياة بصورة عامة؟ وقد تطول فترة عمله في المدرسة الخاصة والأهلية حتى يلتحق بالتوظيف الحكومي أو يستمر في المدارس الأهلية، إن السنين تمضي بنا من غير أن نحس بها وتضيع علينا الفرص ونكبر في العمر من دون أن نحقق شيئًا لمستقبلنا.

أسئلة محيرة:

لماذا يُعامَل المعلم في المدارس الخاصة والأهلية تارة بنظام الشركة وتارة بنظام مكتب التعليم؟

لماذا يُحرم المعلم في المدرسة الأهلية من الإجازات الطويلة الممنوحة للمعلمين الحكوميين، ويُطبق عليه نظام الموظفين في مقر الشركة لا في المدرسة، مع أن رواتب موظفي الشركة التعليمية - وليس المعلمين - أعلى بمراحل من رواتب المعلمين؟

لماذا رواتب المعلمين في المدارس الخاصة متدنية جدًا، مع العلم بأنها تربح الملايين من الطلاب وتتقاضى دعمًا مقدمًا من الدولة؟

وقفة تأمل:

فلو قسناها بالعقل، وبصورة مبسطة، لتعجبنا. كم هو أدنى راتب موظف سعودي من دون شهادة؟

وكم هو راتب موظف سعودي يمتلك شهادة متوسطة أو ثانوية؟ وكم هو راتب الموظف السعودي الجامعي؟

ما هي مستويات الشهادة الجامعية «بكالوريوس» وما مقياسها؟ ولماذا يختلف الراتب فيها من مؤسسة إلى أخرى ومن شركة إلى شركة؟ أمور محيرة.

إن رواتب المعلمين في المدارس الخاصة لا تكفي لشخص أعزب، فكيف تكفي لشخص متزوج أو مغترب من منطقة بعيدة وساكن بالإيجار؟ هذا الراتب لا يؤهل لا للزواج ولا للحياة الكريمة ولا لمستقبل آمن.

نحن فقط نتمنى المساواة في الإجازات الممنوحة من الدولة للمعلمين، وإعادة النظر في تعديل الأجر الشهري الذي يتقاضاه المعلم في المدارس الخاصة، لا سيما أنه يعمل ساعات وفترات زمنية مقاربة أو أكثر من المعلم في المدارس الحكومية، بالإضافة إلى أنه يُعامل تارة بنظام الشركة وتارة بنظام مكتب التعليم، وذلك بما يخدم مصلحة الشركة التعليمية التي يعمل لديها. هذا المعلم الذي يربي ويعلم الأطفال منذ نعومة أناملهم إلى أن يتخرج الطالب من الثانوية العامة بما يقارب عقودًا من الزمن، فيلتحق بالجامعة ويتخرج بشهادة بكالوريوس أو دكتوراه ويتوظف مهندسًا أو طبيبًا أو موظفًا حكوميًا أو عاملاً في منشآت صغيرة وبراتب أفضل من راتب هذا المعلم المسكين الذي قضى عمره في خدمة الطلاب والتعليم، فقط لحبه لوظيفة التعليم.

في الختام

إن أقل راتب للسعودي هو أربعة آلاف ريال سعودي، وهو الحد الأدنى للأجور الشهرية في المملكة العربية السعودية، وذلك عند احتسابه ضمن نسبة التوطين في برنامج نطاقات. هذا هو راتب العامل السعودي الذي لا يقل عن أربعة آلاف ريال في الشهر، وبشهادة ابتدائية أو متوسطة. فهل يُعقَل أن يكون راتب المعلم الحاصل على البكالوريوس أو الماجستير بالإضافة إلى الدورات التدريبية، هذا المعلم الذي يربي وينشئ أجيالًا تخدم المجتمع بجميع فئاته، مساوياً لراتب موظف الكاشير أو موظف المقاهي أو العمال أو حراس الأمن؟ هذا الراتب الذي لو خُصمت منه نسبة الضريبة والإيجار الشهري وتسديد الفواتير وتعبئة الوقود لما كان كافيًا لرجل أعزب، فكيف يؤهل المتزوج؟

إن الشركات التعليمية أغلبها أو جميعها شركات ربحية، همها الأول والأخير هو تحصيل المال وزيادة الأرباح التي تحصدها نهاية العام الدراسي من أولياء الأمور، وتقليص رواتب المعلمين وعدم زيادتها يرفع من نسبة أرباحها، مما يجعلها تستمر في إعطاء المعلم السعودي «أقل راتب مخصص للسعوديين - أربعة آلاف ريال» حسب قرار الدولة.

نصيحة لك يا معلمي في المدارس الخاصة:

إذا كنت تطمح إلى حياة كريمة وسعيدة، فلتكن المدارس الأهلية آخر قراراتك في التوظيف، لأنهم - مع الأسف - ينظرون إليك نظرة الموظف المؤقت لا المؤهل الذي يمر مرور الكرام، فيشغل الوظيفة مؤقتًا ثم يغادرهم، ولن يتمسكوا بك مهما كانت إمكانياتك وقدراتك الوظيفية وتقييمك المتميز، وذلك لوجود خريجين تربويين جدد في كل عام متقدمين للوظائف.