آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:57 ص

اضبط إيقاع قلبك وعقلك وفلذات كبدك

المهندس أمير الصالح *

يبدو أن عددًا ليس بالبسيط من الناس يُعاد صياغةُ عقلِه وقلبِه من خلال مقاطعِ فيديو صغيرةٍ تُبثّ من جهاتٍ مجهولةٍ في العالم الرقمي أو يُعاد بثّها من أناسٍ مُغرّرٍ بهم عبر تطبيقات تيك توك وسناب شات أو تغريداتٍ عابرةٍ انتهازيةٍ منمقةٍ في تطبيقاتٍ مثل تويتر وإنستغرام، أو تفاعلٍ وهميٍّ لإعلانٍ ترويجيٍّ في فيسبوك.

وهنا تكمن المسؤولية على كل شخص نحو نفسه أولًا ولمن هم في عنقه ثانيًا، في تحري المعلومة والخبر قبل تبني أي موقفٍ ضد أو مع.

وعلى أولياء الأمور «الوالدين» تقع مسؤولية عظمى في توعية وتحصين أنفسهم وأبنائهم من مخاطر الانجراف في موجات التضليل الإعلامي المتكاثرة، والخداع النفسي المبرمج بقوةٍ وشراسة.

نعلم أن ذلك العمل، أي التوعية والإرشاد والتربية، عملٌ شاقٌّ في عالم اليوم، إلا أنه واجبٌ شرعيٌّ وأخلاقيٌّ ووطنيٌّ واجتماعيٌّ لا مفرّ منه.

النقاش

في كثير من الأفلام، لا سيما أفلام الأكشن، يبدأ سيناريو الفيلم بتقديم شخصٍ ما «البطل / شخصٍ وسيمٍ» بأدوارٍ محببةٍ للنفوس وبطولية، مثل رد الاعتبار لفقير، أو إنقاذ رهائن، أو رد الحقوق لمظلوم، أو ضرب أعضاءِ عصابةٍ ما «آسيويين / شرق أوسطيين / مكسيكيين».

ثم ينتقل سرد السيناريو ليقدم شخصية بطل الفيلم كمُعتنٍ بالكلاب الضالة أو يُغدق في إطعام القطط المشردة أو محافظٍ على البيئة؛ فيزداد تعلق المشاهد الساذج ببطل الفيلم.

ثم ينتقل المخرج في سرد الأحداث عبر المزيد من تسويق صورة البطل في ذهن المشاهد الساذج، مما يجعل المشاهد متعاطفًا حد الإيمان بأن البطل شخصية تستحق كامل التعاطف معها والاقتداء بها.

كل ذلك السيناريو مدروس بدقة، بناءً على مهاراتٍ معينةٍ في علم النفس.

وهذه المهارة هي أحد مصاديق ”خدعة التأطير“.

ثم ينتقل سيناريو الفيلم ليعرض تورط البطل أو أحد أفراد أسرته في مطاردة رقمية أو واقعية من قبل أحد أفراد عصاباتٍ متمردةٍ على القانون.

وفجأة، يعرض المخرج مشاهدَ منفّرةً تُظهر قساوة أفراد العصابة، ليجعل المشاهد متقززًا منهم ومصطفًا بشكل أكبر مع بطل الفيلم الجميل الوسيم.

في اللاوعي، يشعر المشاهد آنذاك بأن قيم الأخلاق الحميدة والشهامة والشجاعة مرتبطةٌ ببطل الفيلم.

وتتطور أحداث الفيلم في المطاردة والدفاع والمراوغة بين أفراد العصابة والبطل المنقذ.

يتخلل الأحداث عدة مقاطع تزيد إفراز الدوبامين بين الصعود والهبوط لدى المشاهد، نظرًا للإثارة تارةً واليأس تارةً أخرى.

وهذه المرحلة تُعرف بمرحلة الغمر الإدراكي.

ثم تتطور الأحداث بصورٍ دراميةٍ تتخللها لقطاتٌ جنسيةٌ ومشاهدُ مخلةٌ بالآداب، تمرر عبرها رسائلُ توحي بأن البطل، بعد أن أصبح محبوبًا لدى المشاهد المُغيبِ عقله، لديه شطحاتٌ منها أنه شاذٌّ ومنحرفٌ في علاقاته الجسدية.

في تلك المرحلة، قد تتراجع شعبية البطل لدى المشاهد المتعفف، إلا أن الفضول في استكمال معرفة مجريات الفيلم أو المسلسل يجعله أقل حدةً في استنكار الأفعال اللئيمة التي أقدم عليها البطل.

لك أن تتخيل، بعد مشاهدة عدة أفلامٍ من هذا الصنف، كيف ستترسخ لدى المشاهد درجةُ قبولِ شذوذِ الأبطال في الأفلام!

الأمر ينطبق تقريبًا على جملةٍ عريضةٍ من الأمور، وتم استعراض أفلام الأكشن كمثالٍ فقط.

المشاهد أو المستمع الفطن يبحث عن أفلامٍ وأقلامٍ ومحتوى وخطبٍ أكثر وعيًا ونضجًا، وأعلى قيمةً في ترسيخ الأخلاق والاحترام والفضيلة والسلوك الحسن.

الخاتمة

الأب والأم هما أهم مصدرين موثوقين لبناء فكر ومفاهيم الأبناء، لا سيما الفتيان والشباب.

وعليه، يجب أن يكون الأب والأم متقنين لفنون تمحيص وفحص وتنقيح المعلومة، وفهم دلالات المفاهيم، والاستفسار من أهل الاختصاص عمّا يدور في أذهانهم قبل تمرير الأفكار الجديدة للأبناء.

كما يُستحسن الابتعاد عن التعرض للقنوات الفضائية والرقمية المشبوهة «ويشمل ذلك تيليغرام وواتساب» أو القنوات ذات البروباغندا المشوشة والمتسافلة والماجنة والمنحطة.

شخصيًا، مع مرور الأيام، أستشعر عظمة النصيحة النبوية الشريفة:

”جلوس المرء مع أبنائه أفضل من اعتكافه في مسجدي هذا“.

فحوار أفراد الأسرة الهادف والراقي والهادئ، مع إجادة فنون الاستماع وسعة الصدر وعلو سقف الحرية في الحوار وبث الطمأنينة، نعمةٌ كبرى تستحق الحمد، وتحصّن الأبناء من رياح الانحراف وموجات الأوبئة الأخلاقية.