آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 2:41 م

العلامة الفقية الشيخ حسين بن الشيخ محمد العصفور

محمد يوسف آل مال الله *

الشيخ حسين بن الشيخ محمد آل عصفور من علماء البحرين البارزين في التاريخ الإسلامي، وله شأن كبير في الفقه والحديث والعلم.

النسب والمكانة العلمية:

هو العلامة الشيخ حسين بن الشيخ محمد آل عصفور. وقد ولد في قرية الدراز في البحرين، وعاش في القرن الثاني عشر الهجري لبيت عائلة آل عصفور، وهي أسرة علمية عريقة في البحرين.

إنجازاته العلمية ومكانته الاجتماعية:

يعتبر الشيخ حسين «قدس» فقيهاً ومحدثاً ومجتهداً، أطلعه الناس كثيراً في علوم الدين الإسلامية، وقد ترك إرثاً كبيراً من المصنفات، منها ما يزيد على خمسين كتاباً ورسالة في الفقه والنحو والأصول والحديث وغيرها من العلوم الشرعية، لكنّ الغالبية منها مخطوطات ولم تُطبع كلها. كما اشتهر بمرجعية علمية واسعة، إذ لم يقتصر تأثيره على البحرين فقط، بل امتد تأثيره إلى الخارج - إلى المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية، وإلى المناطق الإسلامية المجاورة مثل الكويت، الأحساء، الحجاز، اليمن، عمان، الإمارات، وحتى إلى خراسان وخوزستان وبوشهر، كما عُرف عنه التسامح في اختلاف المذاهب وأدب الخلاف مع العلماء المختلفين.

مولفاته:

• سداد العباد ورشاد العبّاد: كتاب فقهي عملي شهير له؛ يقع في مجلدين ويتناول العبادات والمعاملات بنمط الرسالة العملية.

• الأنوار الواضحة / الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع «شرح على مفاتيح الشرائع للفيض الكاشاني»: شرح مهم على كتاب «مفاتيح الشرائع» نسبه بعضهم للإمام الرضا؛ من مؤلفاته المعروفة وقد ورد ذكره في تراجم.

• الفرحة الإنسية في شرح النفحة القدسية «أو: الفرحة الأنسية»: شرح على «النفحة القدسية» في فقه الصلاة — ذُكر أن الشيخ أملى بعض أقسامه بسرعة لدرجة أنّ الناس تحدّثوا عن حفظٍ وإملاءٍ سريع.

• تتمة الحدائق الناضرة / عيون الحقائق في تتمة الحدائق: تتمة/تكملة لأعمال سابقتها «مثل حدائق الفيض»؛ يقع في مجلدين حسب الفهرسات.

• إسكات أهل الإخفات وإخفات أهل الإسكات: عنوان فقه/جدل علمي ورد في الفهارس والتراجم.

• كشف اللثام في شرح أعلام الأنام بعلم الكلام: شرح على كتاب سليمان «الماحوزي» — مذكور في الفهارس العائلية.

مصنّفات في الزكاة، الصلاة، التفسير، النحو، العروض… أمثلة من عناوين أصغر: «هداية القلوب والحواس في أحكام الزكاة والأخماس»، «ذريعة الهداة في بيان معاني ألفاظ الصلاة»، «مفاتيح الغيب والتبيان في تفسير غريب القرآن»، و«أرجوزة في ظن وأخواتها» «نحوي/عروضي». الكثير منها مدوّن في فهارس المخطوطات.

المدرسة العلمية للشيخ حسين آل عصفور:

كانت مدرسة الشيخ حسين آل عصفور امتدادًا للمدرسة الإخبارية البحرانية، التي تميّزت بالاعتماد على النصوص والروايات، مقابل الاتجاه الأصولي الذي كان يتوسع في الاجتهاد العقلي. لكنّ الشيخ حسين نفسه كان ذا رؤية معتدلة داخل الإخبارية، إذ جمع بين النقل والعقل وأبدى مرونة في النقاش العلمي مع مخالفيه، مما جعل مدرسته أكثر توازناً وأقرب للقبول في مختلف البيئات العلمية في الخليج والعراق.

أبرز تلاميذه ومَنْ تأثروا به:

1. الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي «تلميذ مباشر»

•من أوائل تلامذته في البحرين.

•تولى التدريس في الدراز والشاخورة.

•نسخ بعض مؤلفات أستاذه وشرح أجزاء منها، وله حواشٍ على ”الفرحة الإنسية“.

2. الشيخ محمد آل عصفور

•ابنه وخليفته في التدريس والإمامة.

•واصل نشر فكر والده، وتولى الإشراف على المكتبة العائلية وحفظ المخطوطات.

•له تعليقات وشروح على كتب أبيه في الفقه والحديث.

3. الشيخ أحمد بن صالح آل عصفور

•أحد أفراد الأسرة الذين تولوا نشر المدرسة العصفورية في المنطقة الشرقية «الأحساء والقطيف».

•كان له تواصل علمي مع فقهاء الإحساء مثل آل العيثان وآل الملا.

4. الشيخ علي بن سليمان البلادي البحراني «تأثر فكريًا»

•صاحب كتاب أنوار البدرين في تراجم علماء البحرين.

•رغم أنّه لم يكن من تلامذته المباشرين، إلّا أنّه نقل عنه كثيراً وعدّه من كبار علماء البحرين.

•يُعدّ من أوائل من وثّق سيرة الشيخ حسين وأثره العلمي في التراجم.

5. الشيخ عبد الله بن محمد بن علي الستري

•فقيه محدّث من سترة، تأثر بمؤلفات الشيخ حسين خصوصاً في الفقه المقارن.

•كان يعتمد على كتبه كمراجع تدريس في الحوزة الستريّة القديمة.

6. الشيخ علي بن حسن البلادي «المحدّث البلادي»

•أحد أبرز تلاميذ المدرسة البحرانية.

•درس بعض كتب الشيخ حسين، واستفاد من منهجه في عرض المسائل بالأحاديث مع تحليل فقهي متزن.

7. الشيخ محمد بن ناصر الأحسائي

•نقل الفكر العصفوري إلى الأحساء، وكان من أوائل من أدخل «سداد العباد» إلى التدريس في المنطقة.

•أثر في طلبة الإحساء الذين أصبحوا لاحقًا مراجع محليين.

8. الشيخ علي بن حسن الجمري

•أحد تلاميذه في أواخر حياته.

•له مراسلات فقهية مع الشيخ حسين حول بعض المسائل الدقيقة، وحفظت نسخ من هذه الرسائل في مكتبة آل عصفور.

أثر المدرسة في الفكر الإخباري المتأخر:

•ساهم الشيخ حسين «قدس» في تلطيف النزاع بين الإخباريين والأصوليين، إذ رفض الغلو في النقل، كما رفض التجاوز العقلي المفرط.

•مدرسته كانت بمثابة مرحلة وسطى بين الجمود الإخباري القديم والاجتهاد الأصولي الحديث.

•صار فكره أحد الجسور الفكرية التي ساعدت على بقاء الإخبارية البحرانية فاعلة ومؤثرة في الوعي الفقهي حتى القرن 13 الهجري.

•حتى اليوم، لا تزال بعض رسائله «خصوصاً سداد العباد» تدرّس كمصدر تاريخي لفهم فقه البحرين الكلاسيكي.

الاعتراف والتراث

•أُقيم مؤتمر بعنوان «الرسالة والموقف» في عام 2010 لإحياء ذكرى الشيخ حسين آل عصفور؛ حيث شارك فيه باحثون من داخل البحرين وخارجها، وتناولوا عدة محاور منها الفقه، علم الكلام، التاريخ.

•هناك توصيات بإنشاء مؤسسة تراثية جليلة وجائزة علمية باسمه لتشجيع البحث في فروع المعرفة المختلفة.

•مشروعات صيانة وترميم لمسجد العلامة الشيخ حسين آل عصفور، ومتابعة إدارية من الأوقاف الجعفرية لتطوير مرافق تُخدم مقره العلمي والديني.

وفاته وما بعده

•تُوفي رحمه الله في ليلة الأحد 24 فبراير 1802 م الموافق 21 شوال سنة 1216 هـ، ودُفن في قرية الشاخورة.

•بعد وفاته، أصبح له مقام ومأتم ومدرسة وجامع باسمه.

نسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يحشره مع النبي محمد وآله ورحم الله مَنْ قرأ وأهدى ثواب سورة الفاتحة له ولأسلافه وللمؤمنين والمؤمنات مسبوقة بالصلاة على محمد وآل محمد.