آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 3:54 م

القِسمة والنصيب

عبد الله أحمد آل نوح *

كم مرة قلنا لأنفسنا: «هكذا قسمتي» أو «هذا نصيبي»، دون أن نتوقف لحظة لنسأل: هل فعلاً كان هذا ما كُتب لي أم ما اخترتُه أنا بيدي؟ نسمع كثيرًا عبارة «القِسمة والنصيب»، ونظنّهما شيئًا واحدًا، بينما الحقيقة أنهما وجهان مختلفان لورقة واحدة من دفتر الحياة، قد يجتمعان أحيانًا، وقد يفترقان تمامًا.

القِسمة هي ما كُتِب لك، بعلمك أو بغير علمك، برضاك أو رغمًا عنك، فهي التقدير الإلهي الذي يضع الأشياء في مواضعها كما يشاء الله. أما النصيب، فهو ما وصل إليك فعلاً، ما حصلت عليه وسقط في يدك، بغضّ النظر إن كان مُقسَّمًا لك في الأصل أو جاءك مصادفة من طريق غيرك.

ولنُبسّط الصورة أكثر: قد يُقسَم لشخص نصف تفاحة، لكنه لا يحضر، فيأتي آخر فيأخذها، فتكون نصيبًا له رغم أنها لم تكن قسمته. وقد تجتمع القِسمة والنصيب حين يأخذ الإنسان ما كُتِب له فعلاً، فيكون ما حصل عليه نصيبه المقسوم وقسمته التي نالها بيده.

وهنا يبرز السؤال: هل نحن قادرون على تغيير القِسمة أو النصيب؟ سؤال يبدو بسيطًا، لكنه في عمقه فلسفة الإيمان بالقدر مع مساحة الاختيار. قال تعالى: «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى»، فالله سبحانه وتعالى سخّر لنا الأسباب، ومنحنا حرية القرار، وأعطانا القدرة على أن نكون صالحين، بينما الشيطان لا يكلّ عن محاولاته لتزيين الباطل في صورة الحق، واستبدال الطريق المستقيم بمسالك مُضلِّلة.

الإنسان الواعي الواثق بخطّه لا يُغيّر الشيطان وجهته بسهولة، ولهذا يدخل إبليس من أبواب التأويل، فيُشوّش على العقول ويخلط بين القَدر والتقصير. فإذا أخطأ الإنسان أو زلّ، انسحب إبليس بهدوء ليهمس في أذنه: «ما حدث هو نصيبك، هكذا كُتب لك». وهكذا يُحوِّل الخطيئة إلى قدر، والتقصير إلى قَسَمٍ لا مفرّ منه.

في حياتنا اليومية نرى من يبرّر فشله بالقدر، ومن يعلّق أخطاءه على مشجب النصيب، وكأن الأقدار تُخطئ في التوزيع! لكن سرّ النجاح أن تؤمن بأن الله قسم لك الطريق لا النتيجة، وترك لك مساحة الحركة والاختيار. هذه هي الحيلة القديمة التي تُضعف العزائم، وتحوّل الإنسان من صانعٍ للقرار إلى متفرّجٍ على حياته، يبرّر ضعفه باسم النصيب، ويُخفي تقصيره وراء القِسمة.

لكنّ الفرق بين القِسمة والنصيب لا يكمن في الألفاظ، بل في الموقف من الحياة. فمن رضي بما قُسِم له وسعى في سبيل الخير، نال نصيبه الحقيقي. أما من ترك السعي واستسلم للعجز، ضيّع حتى ما قُدّر له. الرضا بالقضاء لا يعني ترك الجهد، ولا يُبرّر التخاذل أمام الفرص. فالإيمان الحقّ هو أن تسعى بما تملك، ثم ترضى بما كتب الله لك بعد السعي. فالقِسمة هي ما قدّره الله، والنصيب هو ما اخترت أن تبلغه بسعيك. وبين القِسمة والنصيب مساحة صغيرة اسمها الاختيار، هي التي تصنع الفرق بين من يكتب تاريخه بيده، ومن تُكتَب له الحكاية دون أن يدري.

عضو مجلس المنطقة الشرقية ورجل أعمال