آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 1:30 م

بائع المظلات

سوزان آل حمود *

كانت مدينة ”الأوفياء“ مُعتادة على الغيث؛ مدينة رخاء، حيث كان إلياس، بائع المظلات، أحد أنجح التجار. لم تكن المظلات مجرد أداة، بل كانت رمزاً لازدهار المدينة المائي. كانت تجارته تزدهر مع كل قطرة مطر.

لكن سُنَّة الكون التغيير. انقطعت الأمطار، وعمَّ الجفاف القاسي. غيّر التجار مهنهم بحثاً عن لقمة العيش، محاولين التكيّف مع الواقع الجديد.

وحده إلياس رفض أن يدفن مهنته. لم يمتلك مهارة أخرى، لكنه امتلك إيماناً خفياً. ظلَّ واقِفاً في متجره الصغير، محاطاً بمظلات مغلقة وكأنها نائمة، يبيع ما لم يعد أحد يحتاجه.

كانت الهمسات الساخرة تحيط به: ”أنظروا إلى إلياس، يبيع المظلات في مدينة لا تمطر! هل جنَّ الرجل؟“ كانت المظلة بالنسبة له قد تحولت من أداة حماية إلى رمز للصبر والعناد الإيجابي.

تحمّل سنوات عجاف، كان خلالها يمسح الغبار عن بضاعته، وكأنه يمسح اليأس من قلبه، مؤمناً بأن الجفاف لن يدوم إلى الأبد.

وبعد سنوات من الانتظار والتهكُّم، وفي ليلة مُظلمة، اخترق الصمت صوت لم تعتد عليه آذان ”الأوفياء“ منذ زمن طويل: صوت أمطار غزيرة مُدمِّرة.

أصابت الدهشة الجميع، وهرع الناس إلى الشوارع مذعورين، يبحثون عن مأوى، وعن... مظلة!

في خضم الفوضى، لم يكن في المدينة كلها من يبيع المظلات سوى رجل واحد: إلياس!

اصطف الناس أمام متجره في طوابير طويلة، يتسابقون لشراء أي مظلة، بأي ثمن. تحولت مظلاته النائمة إلى كنز لا يُقدَّر بثمن. باع إلياس كل ما يملكه في أيام، وأصبح بين عشية وضحاها من أغنى تجار المدينة.

لقد أثبت أن الصبر ليس مجرد انتظار، بل هو استثمار وإيمان لا يتزعزع باللحظة المناسبة.

إن قصة إلياس هي نشيد لروح التمسك بالأمل والرفض المُطلق للاستسلام لظروف الوقت الصعبة. لقد رأى الجميع جفاف السماء، فغيروا مهنتهم، لكنه رأى فرصة السماء المؤجلة فثبت عليها واستعد لها.

ختامًا عزيزي القارئ:

• ما هي ”المظلة“ التي تملكها وتتقنها، وتخشى أن تبيعها في سوق لا يبدو بحاجة إليها الآن؟

• هل أنت مستعد لـ ”الغيث المفاجئ“ أم ستكتفي بالنظر إلى الآخرين وهم يجنون ثمار صبرهم؟

تذكَّر قوله تعالى: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف: آية 18].

كن ك ”إلياس“. امتلك الصبر الجميل، واستعن بالله، وتذكَّر أن لا أحد يعلم متى تفتح السماء أبوابها إلا الله.