آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 1:30 م

مؤثر فوق المنصة إعلامي تحت الشمس

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

في كل مناسبة عامة، كل فعالية وطنية أو اجتماعية، يقف الإعلامي في الصفوف الأولى، لا ليلتقط صورة لنفسه، بل ليقدم صورة للمجتمع والوطن. يحمل عدسته وقلمه، يتحرك بين الزوايا، يتتبع التفاصيل، ويختصر المشهد بجملة دقيقة أو لقطة صادقة. يعمل بجهد واحتراف، ويواصل رسالته بعيدًا عن الأضواء التي توجه غالبًا لمن يعتلي المنصة لحظات، ثم يغادر تاركًا الميدان لمن يستمر في حمل الرسالة.

هذه المفارقة بين من يظهر للحظة ومن يعمل طوال اليوم أصبحت مشهدًا مألوفًا في الساحة الإعلامية. ملايين تُخصص للمؤثرين مقابل حضور قصير، وومضات تُسلط على من يتصدر المشهد دقائق معدودة، بينما يقف الإعلامي ساعات طويلة في الميدان، يصنع المحتوى، ويُنتج الصورة، ويعزز الرسالة العامة للحدث، ملتزمًا بأمانة الكلمة ودقة المعلومة ومسؤولية الرسالة أمام الجمهور.

لا اعتراض على دور المؤثرين، فلكل دور مساحته، لكن العدالة في التقدير ضرورة لحماية قيم المهنة. فالإعلام ليس مساحة عابرة للظهور، بل منظومة تعتمد على الخبرة والمعرفة والانضباط والالتزام. ومن الطبيعي أن يُقدَّر من يعمل ويجتهد ويُسهم في خدمة المجتمع وصناعة الوعي، لا أن يُترك خلف المشهد دون اعتراف كافٍ بعمله.

وفي هذا السياق، لفت انتباهي مقال للإعلامية والكاتبة نهلة الجمال، تطرقت فيه إلى ضعف العقود الإعلامية واستغلال جهود المتعاونين. أشارت إلى واقع يعيشه كثير من الإعلاميين أصحاب الخبرة، الذين يقدمون تغطيات دقيقة ومتواصلة دون ضمانات مهنية واضحة، وفي المقابل يُمنح الظهور والتقدير لمن يشارك حضورًا محدودًا دون جهد مشابه. وما طرحته يعكس مشهدًا نراه يوميًا في الميدان: مواد تُنتج، وصور تُوثق، وتقارير تُكتب، بينما تبقى أسماء خلف الكواليس، رغم أنها هي من تمنح الحدث قيمته.

تقدير الجهد الإعلامي ليس مطلبًا شخصيًا ولا قضية فئة تبحث عن امتيازات، بل أساس لتعزيز جودة المحتوى وضمان استمرارية الرسالة. حين يجد الإعلامي تقديرًا حقيقيًا وعادلاً، تتسع مساحة الإبداع ويتطور العمل وتتقدم المهنة، ويستفيد المجتمع كله من إعلام قادر على أداء دوره بثقة ومسؤولية.

ومع استمرار المشهد بهذا الشكل، يتضح أن الحاجة ليست لتكرار المطالب فحسب، بل لبناء وعي مؤسسي يؤمن بأن الإعلامي شريك في النجاح وليس مجرد منفذ للمهام. فكل حدث يتم توثيقه وكل قصة تُروى وكل رسالة تُنقل، تقف خلفها خبرة واحتراف وعطاء يستحق التقدير الحقيقي، وترسيخ ذلك هو ما يضمن استدامة الصورة المهنية المشرِّفة للإعلام الوطني.

نحن اليوم في مرحلة تطوير متكاملة تشمل مختلف القطاعات، والإعلام جزء رئيسي من هذا التحول. ومن أجل أن يواصل الإعلام دوره الفاعل، يحتاج العاملون فيه إلى بيئة تحمي حقوقهم وتضمن حضورهم، وتوفر لهم تقديرًا يتناسب مع ما يقدمونه للوطن وللرأي العام.

فالجهد الإعلامي ليس مجرد حضور عابر، ولا هو ظل يرافق الفعالية. إنه رسالة ومسؤولية وتعب حقيقي في الميدان. وإذا كان المؤثر يعتلي المنصة، فجدير بالإعلامي أن يعتلي التقدير ذاته. ومن يعمل تحت الشمس، يستحق أن يكون تحت الضوء حين تُعرض الصورة كاملة.