كتاب جديد يوثق ”الذروة الثقافية“ للسعودية في الثمانينيات ويستعرض سجالات الحداثة والنقد
صدر حديثاً عن دار جداول للنشر والترجمة والتوزيع كتاب ”مرابدُ الثقافة.. شذرات من سجالات الثمانينيات“ للمؤلف أثير السادة، الذي يقدم تأريخاً مفصلاً للمشهد الثقافي السعودي خلال عقد الثمانينيات، مع التركيز على الانفتاح الثقافي والصدامات الساخنة التي دارت بين تيار الحداثة والتقليد. ويصف الكتاب تلك الفترة بأنها كانت بمنزلة الذروة في مشهد الانفتاح الثقافي، حيث كانت الصحافة الشاملة تخصص مساحات واسعة للثقافة، وتعمل ك ”منصة للحوار الحي بين المثقفين“.
ويرى المؤلف أن الثقافة، شأنها شأن الحياة، خضعت لتحولات عميقة بالتزامن مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي طالت البنى الأخرى في المنطقة. هذه التحولات حفزت فريقاً من المثقفين لاكتشاف ”الثقافة الجديدة“ ومحاولة استدماجها ضمن الخطاب الثقافي المحلي، متأثرين بموجة الحداثة وما بعدها التي ملأت الفضاء الثقافي بالضجيج والحياة. وقد تتبع الكتاب ملامح هذا الصراع بالاستناد إلى أهم الملاحق الثقافية المحلية على امتداد العقد، حيث كانت الآمال والطموحات تتزاحم بالتوازي مع تنامي المخاوف والشكوك من سيرورة التحولات.
ويُبرز الكتاب سجالات كبرى شهدتها الثمانينيات، في مقدمتها الصراع المحتدم حول الشعر، حيث كان الشعراء ورموزهم الواجهة في مشهد الصراع الثقافي. ومن أبرز هذه السجالات، قضية قصيدة «فاطمة» للشاعر عبدالله الصيخان، التي أثارت جدلاً واسعاً بعد قراءات نقدية متعددة. تصاعد السجال بشكل خاص بين الدكتور عبدالله الغذامي، الذي قرأ القصيدة وفق المنظور البنيوي وحلّل العلاقة بين كلمة ”فاطمة“ وكلمة «انتهت» التي وردت في نهايتها، وبين الأستاذ محمد رضا نصر الله، الذي نشر مقالاً في جريدة الرياض أكد فيه أن كلمة ”انتهت“ ما هي إلا خطأ مطبعي تم تلافيه في الطبعة الثانية. وقد اعتبرت هذه الواقعة، التي كشف نصر الله تفاصيلها، ”سقطة حداثية“ مثيرة للسخرية في الوسط الأدبي.
كما يوثق الكتاب الصدى الواسع لظهور كتاب ”الخطيئة والتكفير“ للدكتور عبدالله الغذامي، الذي سَبَق بنشر مصطلحات نقدية جديدة في الساحة الثقافية المحلية. وقد أسهم هذا الكتاب في إشعال الجدل حول القضايا البنيوية والتفكيكية والأسلوبية المعاصرة، حيث اختلف النقاد والقراء مع أطروحاته من جهات فلسفية ونظرية وتطبيقية. بالإضافة إلى ذلك، يتناول الكتاب محاضرة ”التراث والحداثة“ التي ألقاها الدكتور محمد مصطفى هدارة، ويستعرض تعليقات الدكتور نذير العظمة والأستاذ حسني محمود عليها، حيث أكد العظمة أن الحداثة الحقيقية يجب أن تنبع من قلب التراث والإنسان معاً، منتقداً تركيز المحاضر على الجانب السلبي من الحداثة.
ويشير الكتاب إلى أن جريدة ”اليوم“ كانت شاهدة على هذه التلونات عبر ملحقها الثقافي ”المربد“، الذي أُطلق عام 1975 م، ورصدت صفحاتها حرباً باردة بين تياري الحداثة والتقليد. كما كانت الملاحق والصفحات الثقافية في ”اليوم“ وغيرها امتداداً لسخونة الأمسيات الشعرية والنقدية التي لم تنتهِ حواراتها بانتهاء المناسبة، مثل التعقيبات التي دارت بين علي الدميني وسعيد السريحي ومبارك الخالدي.













