آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 1:30 م

غرف الضيوف في قلوبنا!

مريم الرمضان *

”مهما بلغت ثقتك بالآخرين، لا تفتح لهم من غرف حياتك سوى غرفة الضيوف.“

لا أدري من كتب ونشر هذه المقولة، هل هو صائب؟ أم جرفته الحياة إلى تجربةٍ مؤلمة جعلته يجد فيما سرده حكمةً؟

من ناحيتي، حين قرأتها تألمت بشدة، وأحسست بشعور المنبوذين الذين يُتجاهلون، ويتمنّون لو يشكّلون رابطةً مع أيٍّ كان، كي يحسّوا بإنسانيتهم وأنهم جزءٌ من العالم البشري!

تتعدّد الحكم والأقاويل التي نتناقلها لاستنباط الحكمة في تعاملاتنا البشرية، فهناك من يؤيدها بقوة، ومن يرفض تصديق تشاؤمية الإنسان في أن ينبذ العالم ويتقوقع في ذاته.

لكلٍّ منّا تجاربه التي تبيح له رسم خطّ مسيرته وتعاملاته مع البشر، فشخصياتنا، وطبيعتنا، وتجاربنا الحياتية، هي المحدِّدة لماهيتنا وكيفية تعاملنا مع العالم.

وكي لا نكون رافضين لفكرة المقولة بشكلٍ مطلق، نقول:

نعم، كثيرًا ما أيّدناها في أوقاتٍ متفرقةٍ شعرنا فيها بطعنةٍ في قلوبنا جراء إساءة الآخرين وعدم تقبّلهم لنا كما نحن، دون تزييف.

هناك مقولةٌ متداولة وهي: ”الصيت ولا الغِنى“، وأيضًا أن تأثير هالة شخصية الإنسان يعطي انطباعًا عنه لدى الآخرين قد لا يكون في الأساس حقيقة، وهذا ما يحدث لكثيرٍ منّا.

وقعنا في أحيانٍ كثيرةٍ في فخّ الصور النمطية التي تُرسم حولنا، وأكثر ما يجرح هو حين يُرفَض واقعنا لأن ما توقّعوه عنّا مخالفٌ لكينونتنا.

فنبقى أسرى لما توقّعوه منّا، ولِما نتوقّعه نحن أيضًا.

ومن خلال تعاملاتنا، تعلّمنا أن نكون مفتوحي القلب، لأننا نؤمن بشدّة بأننا إن تعاملنا مع الآخرين بحبٍّ وبنيةٍ صافية، فإنها سترتدّ إلينا ولو بعد حين.

ونجد هذه المعاملة موفّقة جدًا في التعامل مع الغرباء البعيدين عن حياتنا، فكلّما عاملناهم بصدقٍ وصفاء نيةٍ، ردوها إلينا.

لكن الصورة تختلف مع الأقربين منّا، حين نحبهم ونعاملهم بصفاءٍ ونجعلهم من أقرب الصفوة، ونتوقع منهم أن يعاملونا بالمثل.

لكن الحقيقة مختلفة، ونكتشف أنهم، إن أحبونا، فبدرجةٍ أقل مما نطمح إليه — وهذا ما يؤذينا.

توقعاتنا هي ما تؤذينا، فحين نعطي قدرًا من الحب أو الصداقة أو حتى الرفقة البسيطة، نتمنى أن ترتدّ علينا بالمثل، لكننا نجد أنهم لا يريدون ذات المستوى من القُربى والمحبة.

مؤلم، لكنه واقع.

وما كُتب في المقولة قطعًا لن يكون هو الحل، لسببٍ بسيط:

إن طبقناه، فلن نكون ”نحن“، فذلك سيكون مخالفًا لطبيعتنا، وهي التي تجعل جرحنا سهلًا.

نحبّ طريقتنا كما هي، ونجد فيها راحةً، حتى لو لم يُبادلنا الطرف الآخر نفس مستوى التوقع، ولم يجدنا قريبين منه كما نريد.

وهم في النهاية أحرارٌ في مواضعنا بقلوبهم.

وسنبقى نتوقّع، ونضع للآخرين مواضع في قلوبنا وحياتنا، ونُجرح حين نكتشف أننا لسنا على ذات المستوى.

ونتعلّم بعدها أن نُحبّ، ونفتح غُرف قلوبنا، ونتقبّل ألّا يجلس فيها أحد.