مرشدة سياحية تروي قصة ”البشت الملكي“ وسر ”البردخة“ اليدوية
يُمثل البشت الحساوي، الذي يُعد لباس الملوك والأمراء، رمزاً للفخامة والأصالة السعودية، حاملاً في طياته إرثاً يمتد لأكثر من 400 عام من الحرفية الدقيقة التي اشتهرت بها الأحساء.
أوضحت المرشدة السياحية أمل جواد الرمضان، أن هذه الحرفة العريقة لم تكن حكراً على الرجال، بل توارثتها الأجيال وعمل بها النساء والشباب وحتى الأطفال داخل البيوت والمجالس، مما جعلها جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي للمنطقة.
تبدأ رحلة صناعة البشت بمراحل دقيقة تتطلب صبراً ومهارة، من التفصيل وأخذ المقاسات، إلى خياطة الغرز والتطريز المعقد، وصولاً إلى المرحلة النهائية والأهم وهي ”البردخة“، التي يتم فيها صقل خيوط الزري الذهبية لتصبح لامعة ومسطحة كسبائك الذهب.
وأكدت الرمضان أن جودة البشت تعتمد بشكل أساسي على ”الزري“ أو الخيط الذهبي، الذي يُستورد من ألمانيا أو فرنسا أو الهند. ويُعد الزري الألماني هو الأجود والأغلى، حيث يتميز بقدرته على البقاء برونقه وجماله لأكثر من ثمانين عاماً دون أن يتغير لونه، وهو ما يجعله إرثاً يُورّث للأبناء والأحفاد.
لتسهيل عملية الخياطة ومنع تشابك خيوط الزري، يستخدم الحرفيون شمع النحل الطبيعي لتقوية الخيط. وتتميز خياطة البشت الحساوي بتعدد غرزها، التي تحمل أسماءً متخصصة مثل المكسر، والبيطان، والبروج، والهيلة، والصمود.
يكمن سر الإتقان الحساوي، كما بينت الرمضان، في مهارة الخياط الفائقة التي تمكنه من تنفيذ هذه الغرز المتساوية بدقة متناهية بالاعتماد على النظر فقط، دون الحاجة إلى أي خطوط إرشادية أو رسومات مسبقة، وهو ما يبرز الدقة والاحترافية التي وصل إليها الحرفي.
وللتمييز بين البشت المصنوع يدوياً وذلك المصنوع آلياً، أشارت الرمضان إلى طريقة بسيطة، وهي قلب البشت والنظر إلى خلفه؛ فوجود العقد والدرزات الخلفية الواضحة، كما في السجاد اليدوي، هو الدليل القاطع على أنه صُنع يدوياً.
ولم تكن هذه الحرفة مجرد مهنة، بل كانت مدرسة اجتماعية وثقافية. فقد كان الخياطون يقضون ساعات طويلة في المجالس، يتبادلون الأحاديث ويحلون المشاكل الاجتماعية، كما كانوا يستمعون إلى الراديو، مما أكسبهم ثقافة عالية ووعياً بالأخبار.
أكسبت هذه المهنة أصحابها صفات الصبر والدقة والتعاون، كما ساهمت في تعميق الروابط الأسرية، حيث كان الخياط يعمل بالقرب من عائلته، مشاركاً في تربية الأبناء ومتعاوناً في شؤون المنزل.
وأضافت الرمضان أن لكل خياط ”لمسة“ أو غرزة خاصة به تميز عمله، كبصمة اليد. واستشهدت بواقعة طريفة حين سُرق بشت لأحدهم، وتم التعرف عليه في سوق آخر من خلال غرزته الفريدة، مما يؤكد أن ”هذا شغل فلان“، وأُعيد إلى صاحبه.
وتتراوح أسعار البشت الحساوي حالياً بين ألفين وخمسة آلاف ريال، ويعتمد السعر على نوع القماش المستخدم، سواء كان صوفاً أو قطناً أو حريراً، بالإضافة إلى جودة الزري وكثافة الشغل اليدوي فيه.
واختتمت الرمضان حديثها بالتأكيد على أن هذه الحرفة، بألوانها الشائعة كالأسود للمناسبات الرسمية والأبيض للأعياد والجمع، ليست مجرد لباس، بل هي رمز للهوية الأحسائية والوطنية، ورمز للفخامة والجمال الذي يجب الحفاظ عليه من الاندثار.
?si=CVZBRgBrc5rNu9Aw













