آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 2:41 م

حينما فرغ هواء الإطار

باسم آل خزعل

بعد يوم طويل في العمل، تزداد الحاجة إلى مساحة من الهدوء والصفاء الذهني. ولطالما كانت ممارسة التمارين الرياضية وسيلة فعالة لتصفية الذهن واستعادة التوازن. في إحدى الأمسيات، قررت أن أمارس طقسي المعتاد في جولة بالدراجة الهوائية، لكن هذه المرة اتخذت طريقًا مختلفًا نحو الشرق من منطقتنا، بحثًا عن نسمة جديدة وهواء نقي بعيدًا عن الزحام.

كانت العجلات تدور بإيقاع متناغم، والهواء الشرقي ينعش وجهي، حتى باغتني صوت خافت يتبعه اضطراب في الحركة. نظرت إلى الإطار الخلفي لأجده قد فرغ من الهواء تمامًا، وفي منطقة شبه مظلمة قرب إحدى صالات الأفراح المعروفة بالمنطقة، تحيط بها من الشرق غابة المانجروف التي تنبعث منها رائحة أشبه برائحة غاز الكبريت، وصوت نقيق الضفادع يملأ المكان.

حاولت إصلاح الخلل دون جدوى، فاتصلت بأحد أبنائي لعلَّه يُسعفني، لكنه لم يجب. وجدت نفسي أسير راجلًا أدفع دراجتي بصمت وسط الظلام، بينما مرت بعض السيارات من حولي، وممن يعرفونني عن كثب، تطلق منبهاتها وتتعالى أصوات ركابها:

”أبا محمد! هل نقصتك اللياقة حتى تمشي ولديكَ دراجة؟“

وشخص آخر يخبرني: ”هل تخشى على دراجتك من التلف حتى تمشي في هذا المكان المظلم؟“

”يبدو عليك الإرهاق يا رجل!“

كنت حينها أبتسم لهم جميعًا دون أن أجيب. لم يعلم أحدهم أن الإطار الخلفي فارغ من الهواء، ولم يدركوا أني كنت أبحث عن شخص يساعدني في حمل الدراجة. لم يسأل أحد، ولم يحاول أحد أن يعرف الحقيقة.

واصلت طريقي أدفع الدراجة بخطى هادئة، وكل خطوة كانت تحمل لي درسًا جديدًا:

الناس كثيرًا ما يحكمون قبل أن يعلموا، ويتحدثون قبل أن يفهموا.

كم من موقف في حياتنا نسيء فيه التقدير، لأننا نرى السطح ولا نغوص في العمق، نحكم على المشهد دون أن نعرف القصة الكاملة. تلك الليلة علمتني أن الحكم السريع أشبه بإطار فارغ من الهواء، لا يوصلك إلى الحقيقة، بل يعرضك للتعثر في ظلمة الظن وسوء الفهم.

عدت إلى المنزل متعبًا، لكنني أكثر صفاء وهدوءًا. صحيح أن الإطار فرغ من الهواء، لكن قلبي امتلأ بالدرس: أن اللياقة الحقيقية ليست في الجسد فحسب، بل في الوعي، وحسن الظن، والتروي قبل الحكم على الآخرين.