آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:57 ص

صالات أفراح وأطعمة تجمِّل الحال وأكثر «1»

المهندس أمير الصالح *

هل تتذكر أحداث وإعداد حفلات الزفاف التي دُعيت إليها وحضرتها في العام الماضي؟! هل تتذكر نوع الموائد والأطعمة التي تناولتها في المناسبات المختلفة التي دُعيت إليها خلال الشهر الماضي؟! هل تتذكر في أي حفلة زفاف ممن دُعيت إليها خلال شهر يناير الماضي، وتناولت فيها كنافة نابلسية مثلًا؟!

في الأغلب الأعم سيكون الجواب لتلكم الأسئلة هو: لا؛ لا أتذكر!

في مناسبات الزفاف واللقاءات الاجتماعية والضيافات الأسرية الكبرى والعقائق وحفلات التخرج، يسعى صاحب الدعوة «الداعي» وأفراد أسرته بكل ما أوتوا من قوة وجهود وموارد في رسم السعادة والفرح والألفة مع أهاليهم وأحبّائهم وأبناء مجتمعهم وأصدقائهم والمدعوين، عبر الاهتمام بالبذل السخي في عدة نواحٍ وتدارس أدق التفاصيل لإنجاح المناسبة ورسم البهجة في القلوب وترك انطباعات وذكريات محمودة؛ تارة عبر الدعوة لأكبر عدد من الناس، وتارة عبر تقديم أزكى الأطعمة، وتارة عبر تعدد الأصناف والأطباق لتلكم الأطعمة، وتارة عبر تنوّع الفقرات الترويحية، وتارة عبر انتقاء أكبر وأفخم قاعة أو منتجع أو صالة في مدينته. في هذا المقال، سأُسلِّط الضوء على مفردة التجمل في الطعام وانتقاء القاعة الأفخم والأقرب والأكثر نضارةً وتألقًا وتميّزًا في الخدمة.

في جنبة الإطعام للضيوف وانتقاء نوع الضيافة في ليلة الزفاف مثلًا، تتطارح الآراء بين معظم الأهالي حول أنواع الضيافة «موالح وحلويات» وأنواع الولائم «بوفيه مفتوح / ولائم رزٍّ مع لحمٍ / كلاهما في ذات الوقت» ووقت تقديمها وعدد الضيوف المدعوين وحجم القاعة المنتخبة وتصنيفها «قاعة فندق / قصر ضيافة / قاعة أفراح متخصصة / مجلس كبير / منتجع» وموقعها «قريبة / قريبًا نوعًا ما»؛ وتباعًا ينطرح النقاش حول العدد «12 / 15 / 20 / 25 / 30… إلخ.» ونوع الذبائح «النعيمي / النجدي / الحري / السواكني» وحجمها «تقريبًا 24 كيلوغرامًا أو 16 كيلوغرامًا» وأصناف الضيافة الباردة والساخنة والمقالي والمقبلات والمشروبات والبخور والعطور والعود والورود إلى جانب القهوة والشاي والتمر.

حينذاك، يلف ويدور ذهن وأفكار صاحب الدعوة «العريس وأهله» في أفلاك عدة دوائر كبيرة وكثيرة. فما بين إدارة سقف التكلفة وإرضاء مذاق الأطراف المدعوة وضمان حسن ضيافة المدعوين والتجمُّل معهم بضمان كفاية الطعام في إطعام كل المدعوين وضمان سعة المكان واتساع مواقف السيارات وسهولة الوصول للقاعة وملاصقة قاعة ضيافة الرجال بقاعة ضيافة النساء، وترتيب فقرات الزفاف وتهيئة اللجان المختلفة لإدارة الحفل على أتم وجه. ومع كل ذلك، قد يقع نوع من سوء التقدير سواء في عدد الحضور أو كمية الطعام أو وجود صيانة بأحد الطرق المؤدية للقاعات أو تزاحم المناسبات في تلكم الليلة أو تقلب الطقس المفاجئ. فحينذاك، البعض من الداعين يقع في حرج شديد ويتأثر نفسيًا بسبب هذا أو ذاك التعثر أو الإخفاق غير المقصود والخارج عن إدارة تحكمه وسيطرته. فينقلب الحدث لديه من شعور غامر بالسعادة إلى شعور بنوع من أنواع خيبة الأمل!!

وهنا، ولكون معظم أبناء المجتمع لا يحملون ثقافة تأكيد الحضور قبل فترة كافية من إبرام المناسبة من جهة، ولا يلتزم البعض بجدول الحضور المعلن لاستقبال المدعوين أو وقت التحاقه لضمان خدمة تقديم وجبات الطعام له خلال الوقت المُعلن، فإنه لزامًا على أبناء المجتمع في هذه الجنبة قبول مصطلح: ”المعذرة منكم، ترى الأمور قلّ الفناجيل وكثُر عدد الرجاجيل“. أي لا تثريب على صاحب الدعوة لمن أتى متأخرًا عن وقت تقديم الطعام.

أثناء الإعداد للمناسبة يسمع صاحب الدعوة «العريس أو والده» تعليقات وتوصيات ومشورات عدة من قبل البعض، ومنها:

1. أهم شيء أنك تتجمل وتجيب صواني مملوءة باللحم بمعدل 4 - 5 صوانٍ للذبيحة.

2. أهم شيء أن تجلب لحم نعيمي ذو حجم صغير وذو جودة مميزة.

3. أهم شيء المطبخ الذي يُعد الطعام، يكون الشيف «كبير الطباخين» العامل به طباخًا احترافيًا ومميزًا.

4. اترك كل القيل والقال، وتعاقد مع الصالة الفلانية وأرح بالك. صحيح تكلفك أموالًا أكثر، بس حط فلوسك بالشمس واجلس مرتاحًا.

وشخص آخر يقول: خلّ الطعام يزيد ولا يقصر، وشخص آخر يقول: ضع في حسبانك ما لا يقل عن «س» من أعداد الذبائح للطوارئ، وشخص آخر يقول: أهم شيء اختيار الصالة، فإن البعض يأتيك فقط إذا كانت الصالة كشخة أو المكان قريبًا… إلخ.

ينبري في ذهن صاحب الدعوة بعد سماع تلكم التوصيات أو التعليقات، عدة تساؤلات، ومنها:

س 1: هل كلمة ”تجمُّل“ هي سر رسم صورة الفرح في ليلة الزفاف على وجوه المدعوين، أم كلمة ”حسن التنظيم“ لليلة الزفاف، أم بساطة الأمور وبشاشة الوجه، أم وجود فلان وعلان، أم موقع وتصنيف قاعة الأفراح، أم نوع اللحم وجودة الطبخ… أم… أم… إلخ؟ ماذا عن نفسية العريس ونفسية العروس من كل ذلك النقاش والحوار؟!

كما تنبري تساؤلات عن سلوك البعض بعد ضيافتهم وحسن استضافتهم بالتعليق منهم أو التحدث في أماكن أخرى بعد الانصراف:

• الانتقاد تارة على نوع الطعام ودرجة سخونة الأكل أو نوع اللحم أو طريقة الطهي أو عدد مواقف السيارات في الصالة أو عدد الحضور إن كانوا كثيرًا أو قليلًا.

توصيات لكل الأطراف:

يا مسلم لا تقتل المتعة؛ سواء بالدين على نفسك كعريس أو بالنقد اللاذع من بعض المدعوين.

• نهيب بأبناء المجتمع، لاسيما المدعوين في أي مناسبة، بتفادي التعليقات المثبطة لمعنويات الداعي وأسرته في يوم وليلة المناسبة، لكيلا تُسرق الفرحة من وجوههم، فإنهم تجمّلوا معك وخصّوك بالحضور في حفلهم، فتجمّل معهم بحسن الكلام. فلا تقتل المتعة، يا مسلم.

• السعي من كل الأطراف من أبناء المجتمع لعمل تغذية راجعة «Feedback» لصاحب الصالة لتحسين خدماته بعد انصراف الحضور أو في يوم آخر.

• المشاركة الفعّالة في تحصين أبناء المجتمع من استغلال وجشع بعض مزوّدي الخدمات «الجلوات / الضيافة / الكوشة / القاعات / المطابخ / … إلخ» عبر ثقافة تأكيد الحضور وإنجاح ثقافة حصر الأعداد للمناسبات لتفادي الهدر.

• كتابة ونشر التجارب لأبناء المجتمع عند التعامل مع قاعة أفراح، وكالة سفر، مطاعم ومطابخ، محل تجاري، ورشة إصلاح سيارات؛ لتفادي منابع الاستغلال / الهدر / المشاكل، مثلما نقوم بتدوين ملاحظاتنا وإعطاء تقييم عن خدمات الفنادق في تطبيقات رقمية مثل Booking.

خِتامًا

سيطال النقد كل داعٍ إذا أحاط نفسه بأنواع معينة من البشر؛ وعليه ننصح بفلترة المدعوين لتفادي سماع ما قد يزعج مسامع الداعي الذي تكلف وبذل وأكرم واجتهد وثابر لإنجاح المناسبة. ويعيد ويؤكد أهل الفراسة والخبرة على ضرورة الأمور التالية:

1. كل شخص هو أبخص بإمكانياته المادية ونوع ضيوفه، فلا يمد أحدهم رجليه أطول من لحافه. فهناك ضيافة في الزفاف لحشود كبيرة بقاعات فخمة جدًا قد تُكلف بالمتوسط ستمائة «600» ريال سعودي للضيف الواحد، وهناك ضيافة راقية تُكلف بالمتوسط مائتي «200» ريال سعودي للضيف الواحد، وهناك ضيافة تُكلف بالمتوسط مائة «100» ريال سعودي للضيف الواحد، وهناك ما دون ذلك بدرجات وما هو أكثر بدرجات. وكل شخص أبخص بنفسه وبإمكانياته.

2. ضرورة السعي لتأصيل ثقافة تأكيد الحضور قبل وقوع المناسبة بوقت كافٍ، ليتسنى لصاحب الدعوة إعداد الترتيبات المناسبة واللائقة بالضيوف المحترمين.

3. المتغيرات الاقتصادية في مداخيل الأشخاص بالضرورة تُفرز متغيرات في سلوكيات الاستهلاك؛ وعليه، كل شخص يجب أن يقيس قبل أن يغوص في بحور الإنفاق المتعددة، فإن من غاص ولم يقِس لن يأمن على نفسه من الغرق في بحر الديون والكمبيالات والهموم والضغوط والتشتت والمزاج المتعكر / المتقلب.

4. التجارب الملموسة في بعثرة الأوراق للمناسبات تدعو إلى وجوب مركزية التنسيق وإعداد القوائم عند إطلاق الدعوات لأي مناسبة لضمان السيطرة وتفادي المفاجآت وسد الثغرات وردم الخروقات.

هنا وددت أن أدوّن التالي: شخصيًا أرفع القبعة لبعض القاعات وأصحاب القاعات المحلية في حواضرنا بالمنطقة الشرقية والمميزة بالفخامة والممتازة بالخدمة والترتيب وإعداد الطعام، وصاحبة المصداقية والانضباط والنظافة؛ فإني سجلت سرورًا ورضا عدد كبير من الناس بالتعامل معهم، وأدعو الله لهم بدوام التوفيق والبركة. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، وما يخطر على بالي الآن، صالة قصر النخيل بسيهات، وصالة قصر فرساي الفخم بالخبر، وقاعة الأندلس بالدمام، وصالات أخرى بحي الفيصلية. وأجد أن أحد أهم ميزات تلكم الصالات إشراف المالك بنفسه على الصالة مع وجود الإداريين الأكفاء. فأولئك الملّاك الأوفياء للمجتمع والمباركون يهتمون بالشجرة «المجتمع» كاهتمامهم بالثمرة «مبيعات القاعة» في ذات الوقت.

وفي المقابل، ومن واقع المسؤولية الأخلاقية، نبّهني البعض، وأنقل تنبيههم لمن لديهم مناسبة قادمة، بتفادي التعامل مع القاعات / الصالات التي يعتمد إداريّوها، لا سيما الجشعون منهم، في استخدام آلية إصدار فواتير متفرقة أثناء انعقاد الحفل في حق الزبون على أتفه الأمور بادعاء أن هذا أو ذاك الأمر خارج ما تمّ الاتفاق عليه، وتحت ذرائع مختلفة لسحب أكبر قدر من أموال الزبون. وهي ما تُعرف في علم إدارة العقود ب«متغيرات في الطلب» «Change Order». وقد تصل التكلفة النهائية بسبب هذا التكنيك إلى الضعف أو أكثر من أصل قيمة العقد المبرم. فحينذاك تُختَطَف الفرحة والبهجة من قلب ووجه صاحب الدعوة ووالداهِ.