الدكتور الحواج يستشرف مستقبل الجينوم مع طلاب التهذيب المتوسطة
يعد الحراك التثقيفي ونقل التجارب والخبرات البينية من الأمور التي ندبت إليها وزارة التعليم في المملكة، وعدتها من المؤشرات التقييمية لدى منسوبيها في السلك التعليمي المدرسي والجامعي؛ولهذا كان برنامج «أهل القلم» الذي اعتاد أن يستضيف ذوي الاختصاص من التدريسيين، وممن لهم جوانب إبداعية وكتابات ومؤلفات مطبوعة مرخصة من وزارة الإعلام، بغية إحداث الاحتكاك المباشر بين الطالب والمبدع الكاتب في مرحلة مهمة لما لها من قدرة على التأثير الإيجابي في نفسية الطالب، فيستقبل الشحنات الإبداعية من الكاتب الماثل أمامه، فيتفاعل معه ويسأله ويحاوره وجهًا لوجه، بعدما كان يلتقي مع الكتّاب والأدباء والشعراء ويحاورهم على الورق من خلال المنهج الدراسي.
فكم التقى الطلاب مع الجاحظ ومع المتنبي ومع ابن النفيس ومع كثير من الأعلام، يحاورونهم حوارًا نفسيًا داخليًا، فيصعدون معهم سلم العلم والأدب والمعرفة درجة درجة.
إن هذا بحد ذاته أمر جميل ونافع، لكونه ينطلق من صميم سيره العلمي ومساره المنهجي المخطط له، إلا أن حضور الكاتب نفسه أمامهم له نكهته الخاصة وبعده التأثيري، الذي له دور في حثهم الضمني على الانتقال المبكر من مرحلة التلقي إلى مرحلة الكتابة والإبداع، وللتجارب دلائلها في البرهنة على ذلك.
ولهذا وذاك كان لقاء «أهل القلم» من السلك التعليمي من أنشطة مصادر التعلم في مدارس التهذيب الأهلية. وكان لقاء الثلاثاء الفائت باكورة «أهل القلم» هذا العام 1447 ه.
كان اللقاء مع أستاذ جامعي وشاعر وأديب، ففي الورقة التي قُدِّم من خلالها أمين مصادر التعلم الأستاذ حسين الخليفة جاء فيها:
"الشاعر والكاتب الدكتور علي فؤاد الحواج: أنهى المرحلة المدرسية في مدارس التهذيب، وبعد تخرجه فيها عام 2012، التحق بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل في الدمام، وتخرج فيها حاصلًا على شهادة البكالوريوس في الطب والجراحة عام 2017.
ثم طوى مرحلة الماجستير بتخصص العلاج الجيني والخلايا الجذعية في كلية لندن الجامعية في بريطانيا بتقدير ممتاز عام 2020،
وأكمل دراسة الدكتوراه في معهد السرطان في كلية لندن الجامعية بتخصص جينات سرطان الدم، وتخرج عام 2025.
يجمع حاليًا بين الجانبين النظري والتطبيقي في اشتغاله الطبي، وفي انضمامه إلى السلك التدريسي الجامعي برتبة بروفيسور مساعد في كلية الطب بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل في الدمام.
ولضيفنا المحاضر إسهامات بحثية في أمراض القلب والخلايا الجذعية، وكتاب طبي بعنوان «أنظمة داخلنا: رحلة بين أنظمة الجسد»، أصدره عام 2015 خلال دراسة البكالوريوس.
وله ديوان شعري بعنوان «من بعد ضعف قوة» صدر عام 2019، كما له كتابات نثرية تنتمي إلى فن المقالة، ويعمل الآن على استثمار طاقته الشعرية وتوظيفها في مجاله الطبي؛ لينتج منظومات شعرية تحمل رؤى ومضامين ما درسه وتخصص فيه، ناهجًا نهج القدماء الأفذاذ في الجمع بين الحُسنيين."
يسعدنا أن يكون بيننا وبين طلاب التهذيب من هو ابن التهذيب، حيث كان هو ما هم عليه الآن، آملين أن يكونوا هم ما هو عليه اليوم. فليتفضل سعادة الدكتور علي فؤاد الحواج مشكورًا بتقديم محاضرته التي سيعقبها حوار حول مضامينها المطروحة.
قدم الدكتور محاضرته التي حملت عنوان: «علم الجينوم وعاداتنا الصحية».
وكانت محاور المحاضرة تنطلق من الأسئلة والنقاط التالية:
• ما هو الجينوم؟
• الاختلاف الوراثي والطفرة الوراثية
• كيف يساعدنا الجينوم في تشخيص الأمراض وعلاجها؟
• هل نستطيع التحكم في الجينوم؟
• ما هو مستقبل الجينوم؟
ولعل صياغة نقاط المحاور في أغلبها بأسلوب استفهامي كان لها الدور في شد انتباه الطلاب وتغذيتهم بعنصر التشويق، مشفوعًا بإلماعات تشعل في نفوس الطلاب جذوة المتابعة وتزيد من شغف التلقي لديهم. كما يُحسب للمحاضر — وهو أستاذ جامعي — قدرته على تبسيط القضايا العلمية لتتماشى ومستوى طلاب المرحلة المتوسطة، كما أن ضرب الأمثلة الواقعية وربط المفاهيم المقدمة بعاداتنا المقيدة بالصحية — وفق ما جاء في العنوان — كان له ما له من اندماج الطلاب مع ما قدمه الضيف الكريم، خصوصًا في ربط الموضوع بواقعنا وبيان أن ”أسلوب حياتنا يؤثر تأثيرًا كبيرًا في الصحة عبر الجينات“، وأن ”التحكم بالجينات يعد الآن أمرًا ممكنًا“.
ولعل الخلفية الأدبية التي يتمتع بها الضيف كانت لها دور ملموس في تقديم مضامينه باستهلال حسن مشوق يرتكز في أساسه على أسلوب الاستفهام، مردفًا ذلك الحسن بحسن الختام، بكلمة كان لها صدى في وعي الطلاب، حيث خاطبهم قائلًا: ”أنتم من سيصنع الفرق“، فدب الحماس في نفوسهم، وعلا التصفيق تعبيرًا عن إعجابهم باللقاء وبالضيف الكريم.
وبعدها جاء دور الحوار بينه وبين الطلاب حول ما طرحته المحاضرة، وكانت جل القضايا الحوارية مرتبطة بمستقبل الإنسان الصحي في ضوء علم الجينوم واستثماره في هذا المجال؛ مما دعا المحاضر إلى إعادة كلمته الأخيرة قائلًا للطلاب: — كما قلت لكم — ”أنتم من سيصنع الفرق“، مؤكدًا على أن الدولة في مؤسساتها الصحية تعمل على مواكبة العلم والتطورات في المجال الطبي، وتسعى جاهدة لتبقى أجسامنا سليمة كما وهبها الله تعالى لنا، ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: الآية «7» ]، حاثًا الطلاب على التناغم مع الإرشادات الصحية والابتعاد عن العادات السيئة التي تؤثر سلبًا في صحة البدن، ليكون إنساننا في حاضره ومستقبله سليمًا في حال صحية ممتازة تخوله وتسمح لعقله بالتفكير والإبداع ما دام قوي البنية لا يشكو من أمراض تمنعه من الإبداع والابتكار.
مذكرًا بفوز العالم السعودي عمر ياغي بجائزة نوبل في مجال الكيمياء، مما يحدو بنا كطلاب يافعين أن نحافظ على صحتنا ونغذي عقولنا بالعلم والمعرفة لنكون دائمًا في المقدمة على مستوى الوطن والعالم، مستفيدين من الإمكانات التي وفرتها لنا وزارة التعليم ووزارة الصحة؛ تلك التوأمة بين العلم الذي يمثل العقل ونشاطه، وبين الصحة التي تمثل الجسم وسلامته، ليكونا تجسيدًا للحكمة القائلة: ”العقل السليم في الجسم السليم.“
وفي نهاية الحوار الشيق بين الدكتور المحاضر والطلاب، شكر المقدم ضيفه الكريم على محاضرته القيمة، داعيًا الطلاب إلى تغذية طموحاتهم بالجد والاجتهاد ليصلوا إلى أهدافهم وإلى المستويات المرموقة في العلم والاقتدار على الابتكار والعطاء في خدمة أبناء وطنهم، وفي رسم صورة مشرقة ومتجددة للوطن في الحواضر العلمية، وفي نيل الجوائز العالمية كجائزة نوبل — كما ذكر سعادة الدكتور في إشارته إلى أخذها هذا العام في مجال الكيمياء — وللجائزة فروع كثيرة، ومنها الجانب الأدبي الذي أتوقع — والكلام للمقدم أمين مصادر التعلم — أن يأتي اليوم الذي ننال فيه جائزة نوبل للآداب؛ فنحن من بلد انطلق منه أساس الشعر وترعرع فيه النثر الفني وعموم الكلمة المموسقة، وسهل علينا إذا التفتنا إلى كنوزنا التراثية في هذا المجال، وجعلنا منها دافعًا وحافزًا لنكون في الصدارة على مستوى العالم، وما ذلك علينا ببعيد.
انتهى اللقاء بشهادة تكريم موقعة من مدير مجمع مدارس التهذيب الأستاذ علي آل باقر، قدمها للضيف الكريم بالنيابة عنه وكيل المرحلة المتوسطة للشؤون التعليمية الأستاذ محمد آل رضوان، الذي كان حاضرًا في اللقاء مع مجموعة من الأساتذة الأفاضل، ومنهم المرشد الطلابي الأستاذ عيسى الجميعان، ومنسق اللقاء ومنظمه رائد النشاط الأستاذ مصطفى آل حمود، والأستاذ مؤيد الحمران، الذي وثق بعدسته المميزة جانبًا من اللقاء.
كان لقاءً ناجحًا ومثمرًا وممتعًا في الوقت نفسه، وكان يومًا مشهودًا في انعكاساته الإيجابية على نفسيات الطلاب.
من صور اللقاء:
























