آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:57 ص

قراءة في كتاب ”الصداقة - من واقع التجربة“

عبد الله حسين اليوسف

• قراءة في كتاب ”الصداقة - من واقع التجربة“، للمؤلف جاسم حسين المشرف

• الطبعة الثانية: 1438 هـ / 2019 م

الأسرة أرضية الصداقة الناجحة

ألمحت إلى أهمية الصداقة بين الإخوة والأقرباء، فما هي أهم عوامل تأسيس وتفعيل هذه العلاقة؟

تسهم الأسرة إلى حد بعيد في صياغة وتشكيل صداقات أبنائها، فالأسرة المستقرة في أجوائها، والتي تسودها الحميمية والدفء والتفاهم والحوار، فيأخذ كل فردٍ من أفرادها موقعه ودوره المناسب. هذه الأسرة عادة ما تُبنى علاقات أبنائها خارج نطاقها منسجمة مع توجهها ومتحركةً في إطارها، فترى أبناءها وبناتها أكثر جاذبية وتأثيرًا في الساحة الاجتماعية.

أما تلك الأسر التي تسودها الفوضى والتوتر والانفلات، فكثيرًا ما يتمرد أبناؤها وبناتها على واقعهم المزري، فيبحثون عن الاستقرار النفسي والإشباع العاطفي خارج أسوارها، ويقضون القسط الأوفر من أوقاتهم خارج المنزل، فيعيشون التوتر والتشتت والضياع، يستجدون نظرة الحب وكلمة التشجيع واحترام الذات استجداء.

وخير ضمانة لإنشاء جيل صالح واثق بنفسه يعتمد عليه، هي أن نعيش الصداقة في مفهومها وعمقها مع أبنائنا وبناتنا؛ بأن نخلق لهم الجو الملائم للتعبير عما يجيش بخواطرهم، وأن نتحسس معاناتهم وحاجاتهم، وننطلق معهم لا من موقع الأبوة الآمرة الناهية، بل من موقع الأبوة الحنونة الواعية التي تتحاور مع الابن وتستمع إليه وتحترم أفكاره ومواقفه، وتصحح أخطاءه وهفواته مع الاحتفاظ بكرامته ومكانته، في جو مليء بالتفهم والتشجيع والثقة.

وكذلك الأمر مع البنت وأمها؛ لأن الأنثى للأنثى أقرب، ولِما يكتنف حياة الأنثى من خصوصية، وفي جو كهذا يحسن بالأم أن تبادر لكسب قرب ابنتها.

وكما يلزم الأبناء عمومًا أن يبادرون بالمبادرة الجادة من موقع تكليفهم الديني لِما يُسعد المنظومة البيتية ويرفع من شأنها.

وفي واقعنا الاجتماعي نجد هذا النموذج الطامح في بعض الأسر ويغيب في الكثير منها. علاقة الآباء بالأبناء تنقصها أكثر من حلقة في ترابطها وتأصلها، وإذا ما وجد هذا الخلل تجد الابن يحاول أن يملأ فراغ الأب ومسؤوليته، وحنان الأم وعاطفتها عند صديق يركن إليه ليجود عليه بما شحت به نفوس أهله.

يقرر الابن والبنت أحيانًا قرارات مصيرية في حياتهما بعيدًا عن مشورة الوالدين أو بقية أفراد الأسرة، لافتقادهما للأجواء الأسرية المستقرة والمشجعة.

والتربية الناجحة لا تقوم على عزل الأبناء عن واقعهم الاجتماعي وحرمانهم من علاقاتهم، وإنما هي عملية تأهيل للأبناء ليميزوا بين ما ينبغي وما لا ينبغي، من خلال صياغة منهجهم القيمي وتفكيرهم صياغة صحيحة.

ومما لا شك فيه أن تآلف الوالدين وتفاهمهما وتبادل الاحترام بينهما حضورًا وغيابًا ينعكس على طبيعة نظرة الأبناء لهما، مما يعطي نموذجًا مثاليًا يمثل القدوة في خلق صورة مماثلة لطبيعة علاقة الأبناء بعضهم ببعض، وعلاقتهم مع مجتمعهم.

وصلاح الأسرة لا يعني بالضرورة صلاح أبنائها في علاقاتهم، إذ قد يشذ بعضهم عن هذه القاعدة، ويخرج عن ذلك الإطار لتمرده واستغراقه في أهوائه وعلاقاته المنحرفة.

أطفالنا والصداقة

الصداقة الراشدة الهادفة ليست حالة طارئة تولد في لحظتها وتواصل طريقها، إنها نتيجة طبيعية لممارسة تربوية مسؤولة تبدأ من سن الطفولة المبكرة، حيث يحرص الآباء على تفاصيل حياة أبنائهم، ويؤسسون الخطوط العريضة لمنهج المسيرة الواعية في حياتهم. والصداقة من الركائز الأساسية التي لا ينبغي أن يغفل الآباء عن الاعتناء بها.

ولعل أهم الملامح التي ينبغي مراعاتها في ذلك ما يلي:

• تشجيع أطفالنا على مشاركة غيرهم من الأطفال في مرحهم وألعابهم؛ لأننا بذلك نؤسس للروح الاجتماعية في ذواتهم، ونخرجهم من حيز العزلة الضيق ومن بؤرة الوحشة من الآخرين.

• استثمار بعض الأحداث الاجتماعية الظاهرة على السطح في بيان أن الناس ليسوا سواء؛ فمنهم الصالحون العقلاء الجديرون بالود والصداقة، ومنهم المفسدون السفهاء، وعلينا الحذر منهم ومن صحبتهم.

• تحبيب من يستحق الود إلى نفوس أطفالنا بذكر محاسنهم والجوانب الإيجابية فيهم، وتشجيعهم على تكوين علاقات صداقة مع أقرانهم.

• عدم التعسف في منعهم من تكوين صداقات مع من لا نرتضي، واستخدام الأسلوب غير المباشر واللبق القائم على الإقناع.

• عدم التدخل في التفاصيل الدقيقة لعلاقاتهم ما لم تكن في تلك العلاقة مفسدة.

متابعة صداقات الأبناء

أشرتَ إلى ضرورة إعطاء الأبناء الثقة الكافية في بناء علاقاتهم، ألا ترى أن ذلك قد يضيع جهودنا التربوية فيختارون علاقات غير مرغوبة نتيجة لعدم نضجهم؟

ثمة فرق بين إعطاء الثقة لأبنائنا لينفتحوا على الحياة بأكثر دافعية وطموح، وبين تلك الثقة العمياء التي تفقدنا أهم دور في متابعتنا لأبنائنا ومراقبتهم.

لأن من واجب الآباء والأمهات مراقبة أوضاع أبنائهم النفسية والصحية والاجتماعية، والتدخل في الوقت المناسب لتصحيح مسيرتهم وإصلاح شأنهم؛ إذ إن درجة نضج الابن وتجربته وثقافته تشكل مقدار الثقة التي تُعطى له وأسلوب متابعته.

والرقابة اللصيقة المركزة لا تزيد الأبناء إلا نفورًا وابتعادًا، غير أن المتابعة عن بُعد، والملاحظة المنظمة بين الحين والآخر تعطي ثمارها.

ولك أن تتساءل بين الفينة والأخرى:

ابني وابنتي من يصادقان؟ ومع من يرتاحان؟ وأين يمارسان هواياتهما؟ ومع من يتصلان؟