آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 1:24 م

لماذا يكرهك الناس

سراج علي أبو السعود *

ترى لميس شعبان - أخصائية نفسية حائزة على ماجستير في علم النفس العيادي من الجامعة اللبنانية - أن لكره الناس لك سببين أساسيين: الأول، أن يفقدوا القدرة على السيطرة عليك، والثاني، أن تملك الجرأة على التفكير خارج نطاق أفكارهم. شخصيا أجد نفسي أتفق معها إلى حدٍّ ما؛ فثمة فئة غير قليلة من الناس تستمتع بفرض آرائها ومعتقداتها على الآخرين. وعندما لا يُستجاب لها، أو يُخالفها أحد، تتولّد في داخلها حالة من التذمّر قد تتطوّر إلى الكراهية. وكأن ما نسمّيه إبداء وجهة نظر ليس في حقيقته سوى أمرٍ مغلف بلغة لبقة، والحقيقة هي إما أن تطيع الرأي وتُقرّه، أو تُوصم بالعناد وتُدرَج في قائمة المكروهين.

أظن أن كثيرين غير معتادين على الاختلاف، ولهذا فإن أي حوار تتعدد فيه وجهات النظر سرعان ما يخلّف في القلوب شيئًا من الضغينة، خاصة تجاه من يجرؤ على مخالفة ما اعتاده الآخرون وعدّوه منطقًا لا يُمس. تكمن أهمية الحديث عن هذا الأمر في أن الإنسان المختلف يجد نفسه محاصرًا بين أوامر غير معلنة تُلزمه بالامتثال لما يُطلب منه. فإن لم يفعل، عليه أن يعتذر عن اختلافه، وكأن حرّيته في التفكير ذنب. أما إذا اختار الرفض أو اللامبالاة، فغالبًا ما يُعاقَب بالمقاطعة أو العزلة الاجتماعية من أولئك الذين لا يريدون حوارًا، بل طاعة؛ يسمّونها وجهات نظر، وهي في حقيقتها أوامر بوليسية بامتياز. غير أن هذا الحديث قد يُوهم بعض أصحاب البدع أو الأطروحات اللا أخلاقية والمصادمة للثوابت بأن كراهيتهم ناتجة عن جرأتهم في التفكير، وهنا تجب الإشارة إلى أن مخالفة الإنسان للأكثرية واصطدامه بهم لا يعني بالضرورة أنه على الحق؛ فالمعيار ليس في القلة أو الكثرة، بل في المنطق والدليل.

ليس على الإنسان أن يعيش مقبولًا عند الجميع، المهم أن يعيش صادقًا مع نفسه. فالاختلاف في الفكر لا ينبغي أن يُعامَل كجريمة، كما أن مخالفة الناس لا تجعل صاحبها قديسًا، بل ربما العكس، أحيانًا. نحن نكره حين نُجبر على التنازل عن قناعاتنا، ويكرهنا الآخرون حين نرفض أن نكون نسخًا مكررة منهم. ومع ذلك، تبقى القيمة الحقيقية في أن نحافظ على صدقنا الداخلي، فلا نتحول إلى صور ممن ننتقدهم، ولا نخلط بين الشجاعة الفكرية والتمرد الأجوف. فالتفكير الحرّ فضيلة، ما دام يحمل احترامًا للعقل والحق والإنسان.