آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 1:30 م

من ينتظر من؟

زهراء السلهام

من ينتظر من؟
هل نحن من ينتظر الإمام؟ أم الإمام هو من ينتظرنا؟
ذلك السؤال الذي يتردد في أعماق الوعي الإنساني كلما تأملنا معنى الوجود ودورنا فيه.

قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ [الأحزاب: الآية 72].
لسنا رسلًا، ولكننا حملة رسائل.
كل إنسان في هذه الحياة يحمل رسالة، وُكل بها ليكمل دورة الوجود في سلسلة من التراكم والتطور والإعمار.

ليست رسالتك مجرد واجب تؤديه، بل بناءٌ تضع لبنته لتُكمل من بعدك أجيال أخرى،
تسلمها مطوّرة لا مكررة، واضحة لا مبعثرة،
ليتابع من بعدك المسير دون أن يضيع بين حروفٍ ناقصة أو فكرٍ غير مكتمل.
فإذا سلّمت رسالتك ناقصة، توقّف خط الزمن،
وتعثر الموكب الإنساني في مستنقع التخلف،
فتُصاب الأمة بالضعف والانكسار،
وتغدو لقمة سائغة في أفواه المتقدمين،
يعرّون سفوحها، ويطمسون معالمها،
حتى تفقد وجهها الحضاري، وتصبح ظلًّا لما كانت عليه.

كل مخلوق يحمل رسالة،
قال تعالى: ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [النور: الآية 41]،
وهدانا إلى ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: الآية 7].
السعادة الحقيقية مرتبطة بمعرفة هذه الرسالة،
فمن أدرك مهمته في الحياة، عرف طريق عبادته،
ومن جهل رسالته، عاش تائهًا وإن ظن أنه سائر.

لكن… كيف استلم هذا الجيل رسائله؟
وكيف فقد القدرة على قراءتها؟
هل كانت رسائلنا مشوّشة، أم ناقصة، أم وُثّقت بطريقة خاطئة؟
حتى تاهت الأجيال بين ضوضاء الكلمات وتكرار الصور،
وصارت الرسائل تتطاير فوق رؤوسهم،
يتلقفونها بلا وعي، ويسمعونها بلا فهم،
ويغيب عنها القلب والنية والروح.

كيف كانت رسائل الآباء إلى أبنائهم؟
وكيف أوصل الأبناء رسائلهم لأبنائهم؟
هل كانت رسائل هداية، أم مجرد أصواتٍ تائهة في زحام التطور؟

لقد دخلنا زمن التكنولوجيا،
فانفتحت أمامنا أبواب المعرفة،
لكننا لم نهضم ما ابتلعناه،
فأصبحت بطوننا متخمة بالعلوم،
وعقولنا خاوية من الفهم،
حتى كدنا نستفرغ ما بلعناه من دون أن نعي معناه.

وأما المرأة — أمّ الجيل القادم —
فقد انشغلت عن رسالتها الكبرى:
تربية الإنسان.
تركت أبناءها في مهبّ العولمة،
فأي رسالة سيستلم منها القدر غير رسالة القدرة الإلهية التي تعيد التوازن حين نغيب؟
أهي رسالة الأمومة المفقودة؟
أم الإباحيّة المقنّعة باسم الحرية؟
أم صراع الكفاف لإثبات ذاتٍ فقدت هويتها؟

كيف تحولت التكنولوجيا من وسيلة للنور إلى حجابٍ يحجب الهويّة؟
كيف أصبح الإنسان غريبًا عن ذاته في عالمٍ يدّعي الاتصال؟
إننا نعيش زمنًا خلا من الأنبياء والرسل،
لكن رحمة الله ما زالت ترعانا بحجّةٍ بالغة،
تهدينا بطرقٍ خفيّة لتذكّرنا برسالتنا التي نسيناها.

لقد دُقّ ناقوس الخطر.
آن الأوان أن نعيد اكتشاف ذواتنا،
أن نقرأ رسائلنا من جديد،
وننقّيها من شوائب الزيف والتكرار،
لنخرج من ظلمات التكنولوجيا إلى نور الوعي،
ومن فوضى المعرفة إلى سكينة الحكمة،
فنستعيد إنساننا وهويتنا،
ونعود إلى المهمة الأولى التي خُلقنا لأجلها:
أن نكون خلفاء في الأرض، نحمل الرسالة… ونكمل المسير.