آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 2:41 م

كبار السن بين العطاء والنسيان

عبد الله حسين اليوسف

تبدأ حياة الإنسان على وجه الأرض طفلاً يحتضنه الأبوان في أسرة يعيش معها بما تملك من مقومات الحياة «مال، موقع جغرافي، وعوامل سياسية أو اجتماعية». وعندها تأتيه فرصة أن يتعلم في مدرسة خاصة أو عامة حسب قدرة العائلة وإمكاناتها، ويشق طريق التعليم بجهده وما زرع فيه من حب للتعلم، فمقومات الحياة تعتمد على اختلاف القدرات، ويستمد ذلك من أسرته أو أقرانه أو من وسائل التواصل الاجتماعي، ويزداد في الحصول على التعليم حسب قدرته وما اكتسبه من مهارات تبنى حسب مراحله العمرية.

علينا الانتباه إلى ما يدور حوله من المغريات أو العوامل التي تصبح يوماً ما عقبة كؤودا تحرفه عن المسار، ومعظم الأسر تريد أن يتعلم هذا الطفل للحصول على الشهادة الجامعية في إحدى الجامعات في البلاد حتى لا تضطر إلى الابتعاث خارج البلاد أو محاولة العمل والالتحاق بإحدى الكليات أو الشركات التي تقوم بتدريبه حتى يلتحق بسوق العمل مباشرة.

وبعد شد وجذب في معركة الحياة تأتي مرحلة التقدم في السن بعد الالتحاق بالعمل في القطاعات الخاصة أو العامة، ويأتي التقاعد المبكر أو بلوغ السن القانوني أو من يحال للتقاعد الإجباري عن طريق العقود الخاصة لمن كانت خدمته لسنين طويلة ولم يبلغ السن القانوني بعد، أو يتم الاستغناء عنه طبقاً لمادة «77» من نظام العمل.

وهذه المادة هي مربط الفرس في هذا المقال؛ إذ كنت في زيارة لأحد المجمعات التجارية فوجدت أحد كبار السن جالساً بالجانب الأيسر من بوابة المجمع التجاري، وسلمت عليه ورحبت به رغم أنني لا أعرفه ولا تربطني به أي صلة، لكن شدتني طريقة جلوسه كأنه حارس أمن لذلك المحل ببدلته الرياضية وتقليبه لكف على كف كأنه يعد الأيام والليالي لتنقضي بسلام. دخلت المحل التجاري وقضيت حدود الساعة أتجول من قسم لآخر لشراء بعض ما تم تسجيله في ورقة الطلبات التي تجدها في صالة البيت يومياً أو أسبوعياً حسب ما يتم استهلاكه في المنزل، وبعد أن تم دفع الحساب خرجت من المحل حاملاً الأكياس التي تنوء بها عصبة من الرجال مثلي، حيث استخدمت العربة كي لا أقع أو أتعرض لإنهاك ذاك الجسد الذي أخذ الزمان والأمراض تنهك قوته.

وإذا بي أجد الرجل في الجهة اليمنى، وأقوم بإعادة السؤال والترحيب به مرة أخرى. وهنا استوقفت قليلاً وقلت له: «كنت أجدك في الجهة اليسرى وأنت الآن في اليمنى، فما بالك؟ هل تريد مساعدة أو أحضر لك شيئاً من المحل؟» قال لي: «أنتظر زوجتي وابنتي في المحل فهما يتسوقان عني». قلت له: «ظننتك تحرس هذا المحل!» قال لي: «أحلت للتقاعد المبكر في أحد القطاعات الخاصة على مادة «77»، وراتبي لا يغطي احتياجات المنزل، وابني الوحيد يدرس الآن في المرحلة الثانوية ويفكر أن يدرس في أحد المعاهد الخاصة كي يساعدني في مصاريف البيت، حيث نسكن في منزل مستأجر ولم نستطع شراء منزل، ووزارة الإسكان تتصل بين فترة وأخرى لتمكنني من تملك المنزل، وأقول لهم: كيف أستطيع سداد مبلغ البيت والراتب لا يغطي مصاريف الأسرة، فما بالك بمبلغ القرض؟ أما ابنتاي فوجدتا عملاً في الفترة المسائية بحكم تغير الوضع الاجتماعي، حيث يبحثون عن توظيف المرأة في مجالات متعددة في القطاع الخاص، والتحقت الكبرى بالعمل في الجامعة والصغرى في الثانوية، وزوجتي هي من تقوم بإدارة المنزل وتقوم مع ابنتيها بشراء ما يحتاجه المنزل، حيث تتحكم في بطاقتي البنكية».

وتقول: «أنت لا تجيد التدبير في إدارة المال وحسن التقدير فيما يحتاجه المنزل، حيث تقسمه على إيجار الشقة وما يحتاجه المنزل وتدخر ما تستطيع لليوم الأسود كما يقال». فسألته: «تبدو بصحة وعافية؟» قال: «أمارس رياضة المشي وأبحث عن عمل كحارس أمن، لكني كلما تقدمت لوظيفة يتم الفحص الطبي وأرفض لما لدي من أمراض: ضغط وسكر، والنظر لا أبصر من بعيد».

شكرت له لطفه وحسن حديثه، وانطلقت وأنا أفكر فيما قاله الرجل المسن الذي آلمني بحديثه، وتذكرت كثيراً ما يمر به كبار السن وكيف يستعدون لتلك المرحلة بالوقاية من الأمراض، وتأثير التقاعد عليهم، وأهمية خلق برامج تكون مناسبة واحتضانهم ومشاركتهم في المجتمع بالأنشطة المتعددة المدرجة في منصة ”هاوي“، المناسبة لكافة الأعمار، والثقافة الصحية للتعامل مع الأمراض المنتشرة حالياً مثل الحزام الناري والفيروسات الموسمية.

ومما أثلج صدري أنه يمارس رياضة المشي مع توفر كثرة المسطحات الخضراء أو المنشآت التجارية التي تسمح بالمشي فيها مع التكييف والوقاية من الحر وتغير الأجواء من صيف وشتاء. والمنزل أو الشقق تكون مهيأة بالوسائل التي تخدم كبار السن وحتى غرف النوم والجلوس والدرج الداخلي والخارجي وغرف النوم وما يلحق بها من دورات المياه التي تحتاج إلى اهتمام كبير حسب وضع كبير السن وما يعانيه من أمراض.

وفي الختام نتمنى السلامة للجميع، وأن يعيش كل فرد بصحة وأمان، وأن يكون مشعل هداية، ويقدم مما تعلمه عبر منصة تحكي للأجيال تجاربه وخبراته، ويكتب مذكراته أو يسجلها صوتياً لمن يستطيع مسك القلم أو التعبير بصوته.