قبل ألف سنة تائه في صحراء.. ماذا تعطي من يدلك الطريق؟
حضرة القارئ الكريم والقارئةَ الكريمة أخاطب في وصف هذا التيه خيالكم الخصب، فتخيلوا أنفسكم قبل ألف سنة وأكثر تسيرون في صحراء في ليلةٍ دهماء شديدة السواد، تخشون ضواري الذئاب والحيوانات المفترسة. لا تقنيات حديثة تؤشر لكم على الدرب ولا محطات وقود تسألون فيها عن الطريق، ولا ماء ولا زاد تمتارونه في المسير.
كل الجهات الأربع متساوية في الموت ما عدا فوق وتحت وذلك لا يصلكم إلى نتيجة. ثم فجأة ظهر فارسٌ في الصحراء ومعه مشاعل وماء وزاد وقال أين تقصدون أيها التائهون؟ اتبعوني وسوف أُوصلكم إلى حيث تقصدون! لن أقولَ لكم شرقًا ثم غربًا، أنا أسير أمامكم وإلى جانبكم حتى تصلون. وفعلًا كما وعد، أوصلَكم إلى حيث تريدون! سألتم الرجل: نحن مدينون لك بأرواحنا، كم نعطيك أيها الدليل الكريم؟ فأجاب: لا شيء أبدًا، خذوا الأجرَ لأنفسكم!
كم تشكرون هذا الدليل؟ تقولون: هذا خيال محض! لا، ليس هذا خيالًا البتة! هكذا كان حال العالم وأسوأ قبل بعثة النبيّ محمد ﷺ. كان الناس في تيهٍ وضلال حتى يوم بعثته! وصف الإمامُ عليّ بن أبي طالب تلك الفترة بالليل ”الأليل“، وذلك ليذكرنا بأن محمدًا ﷺ هو الدليل الذي أرسله تعالى للبشرية في فترة ضلال غطت الكونَ فجعله دليلاً وقمرًا منيرًا استرشد به السائرون في الظلام حتى وصلوا إلى قمةِ النور والحضارة.
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى? فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ? وَاللَّهُ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ! أنتم يا أهل الكتاب - والبشرية جمعاء - أرسل الله لكم نبيًّا في عصر ظلت البشرية قبله فترةً وفاصلة زمنية بعد عيسى دون أن يكون فيها نبيّ، فبين لكم هذا النبيّ الحقائق، لكي لا تقولوا إن الله لم يرسل إلينا من يهدينا إلى الصراط السويّ.
في أكثر من آية ومنها قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ ! يقول النبيّ محمد ﷺ: إن الأجر الذي أطلبه منكم إنما هو لكم. المنفعة والأجر لكم بالكامل ولا يعود لي. لا أطلب منكم مالًا ولا عقارًا وأكتفي بما أعطاني اللهُ من أجر.
في هذه الرسالة القصيرة أحببتُ أن ألفت نظركم - القرّاء الكرام - إلى قيمة بعثة الرسول ﷺ وفضل الله علينا وأن تكملوا إحسانكم بالصلاة عليه من أجل أن يباركَ الله عليكم وفيكم وإلا فهذا بحثٌ يصعب فيه الاختصار!