لعبوا بعقلي!
إذا تركتَ نقودكَ دون حرز فلا تلومنّ من يسرقها وإن هو أذنب، حصّن عرضكَ تحميه من أن ينتهك، واحفظ عقلكَ تمنعه من السرّاق! سرقة العقول أصبح فنًّا من الفنون، لن يأتيك السارق ويقول: أنا أسرق عقلك، ومع تطور سرقة العقول لابد أن تتطور طريقة حمايتها من السرقة.
تقول: ماذا؟ عقلي أنا؟ أقول لك: نعم عقلكَ أنت! وماذا يفعلون بعقلي؟! أنت منظومة كاملة حصنها الأمنع العقل. إذا سقط العقلُ، سقط المال والعِرض والمطلوب أن تسقط القيم والدين! وماذا أصنع بعقلي أنا؟ تكون غنيًّا - بفضل الله - وذا قيمة إنسانيّة ودين. ومن يستطيع سرقة عقلي؟ كتّاب ومثقفون، ”متدينون“، أصدقاء ومؤثرون في وسائط التواصل الاجتماعي، دعاة الرذيلة والمنهيّات، وغيرهم كثير قد يسرقون عقلك!
الآن هل تستطيع أن تكوّن في ذهنك صورةَ شخصٍ بائسٍ فقير من المال والدين والقيم؟ هو والكرة سيّان! يتقاذفها من يشاء من الصبيان!
في الأيام الخوالي - قبل إنشاء البنوك والمصارف - كان السرّاق والحراميّة يسطون على المتاجر والدور ويسرقون الأموالَ والمجوهرات، وكلما ازدادت سطوة السرّاق، تطور النّاس في حماية ممتلكاتهم، وضعوا النقودَ تحتَ رؤوسهم، أخفوها تحت الأرض وصنعوا خزائن الحديد الثقيلة جدّا، عشرة أشخاص لا يستطيعون حمل واحدة، ومع ذلك اخترع الحراميّة أدوات قصّ وقطع الحديد!
العقول أهمّ من المال وعلى مدى التاريخ كان هناك سرّاق للعقول يتفنون في جلب النّاس نحوهم وتسخيرهم لما يريدون من مآرب، تارةً ينجحون وتارةً يفشلون، لكنهم لا ييأسون. يُحصّن المال بوضعه في المصرف المؤمّن بالحماية فلا يقربه الحراميّة - اللصوص - لأنهم لا يستطيعون سرقته ويخافون من العقاب. أما العقل فلا يوضع في الصندوق والخزنة ولا يدسّ في التراب. إنما يحميه استعماله وإشغاله بالمعرفةِ والعلم وتنمية القدرات على مختلف أنماطها.
حين مدح الله العقولَ وأثنى عليها ليس من أجل وضعها في الصناديق وإقفالها بل صدعَ أمره بإشغَالها وإعمالها في التفكير. وعلى العكس من ذلك ذمّ الله - سبحانه وتعالى - القلوبَ والعقولَ المقفلة ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى? قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ ؟!
كمّ كبير من آيات القرآن الكريم تحث على استخدام العقل، الآلة الجميلة التي وضعها الله بين آذانِ البشر، منها:
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ!
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا!
.. بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ!
نصيحتي - لنفسي - أعر أصدقائكَ أو من ترغب السيّارةَ أو المال، لكن لا تعرهم عقلك. عقلك خاصّ بك أنت وليس لغيرك أن يلهو بعقلك. العقل جوهرة الجواهر ولؤلؤة الآلِئ وأول ما خلقَ الخالق وذلك في الحديث: ”لما خلقَ الله العقلَ قال له أقبل فأقبل، ثم قالَ له أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقتُ خلقًا هو أحبّ إلي منك، بكَ آخذ، وبكَ أعطي، وعليكَ أثيب“.