فوق الستِّين.. أوسمة ونياشين!
رحمَ الله السيِّد الرضي حين تذكر أيَّام صباه، فقال:
لَو كانَتِ اللِمَّةُ السَوداءُ مِن عُدَدي
يَومَ الغَميمِ لَما أَفلَتِّ أَشراكي
أطالَ الله في أعماركم وعافاكم! من هم في فوق الستِّين يعرفون تمامًا ما أعنيه، تبدأ معك الأيام بالعفج وكأنها على ميعاد، كل يوم ضربة في مكانٍ ما من الجسد، من الرأس وحتى القدم! تعتني بهذا الجسم، تغذّيه أحسنَ الغذاء، تطببه عند أمهر الأطباء، تريضه مثل الحصان، مع كل هذا هناك مواعيد عمريَّة تدقّ مثل الأجراس، لا ينجو منها أحد!
يعوضكم ربّكم عمَّا فاتَ من العمر ما يأتي بعد الستين من حكمةٍ ورزانة ووقار، فإذا صارت قامتكم في محل المفعول به، صار رأسكم مرتفعًا في مقام الفاعل!
وأنا أحاول قص بعض الذكريات على الأحفاد في أيَّام العيد سأل أحدهم السؤالَ التالي: هل عشتم مع الديناصورات؟ يعني أننا أصبحنا عجائز وكبارًا في السن! ستون سنة عشناها بكل تفاصيلها ما عدا وجود الديناصورات! وكنا أيضًا نظن أن من سبقونا عاشوا مع الديناصورات، إن كان ذلك الحيوان حقيقيا وليس من نسج خيال البشر!
ما أحاول قوله هو: لكلِّ مرحلةٍ من العمرِ جمالها، تسير المراحل نحو الأمام ونحن نسايرها، وإلا تركتنا خلفها، فلا المشيب ولا الموت يمكن إعادته إلى الوراء. هما ظاهرتان من ظواهر تجدّد الحياةِ، فلا يجب أن يفزعنا المشيب ولا الموت. نحن نرى الشَّمسَ تشرق في الصِّبح وتغرب في المساء والشَّجر يورق في فصلٍ وتسقط أوراقه في فصلٍ آخر، ظواهر طبيعيَّة لا محيدَ ولا مفرَّ منها.
أنتم أصحابي الذين تشتكون من هذه هذهِ المرحلة، أقول لكم: رحبوا بالشَّيب، إنه العمر الذي يتكثف فيه جمالكم في عقولكم وفي نظراتكم الصائبة، لا في أجسادكم وشَهواتكم. إذا بهتَ جمالكم المادِّي في نظرِ الرائي فقد وهبكم خالقكم أوسمةً ونياشين جميلة وكثيرة في هذا العمر! وإليكم بعضًا منها مهداة من نبيكم محمد «صلى اللهُ عليه وآله»:
“إن من إجلالِ الله عزَّ وجلّ إجلال الشَّيخ الكبير”.
”إن من إجلالي توقير الشَّيخ من أمتي“.
الشيب ولا العيب! يروى أن ابراهيم «عليه السَّلام» أصبحَ فرأى في لحيته شيبًا شعرةً بيضاء، فقال: الحمد لله ربّ العالمين الذي بلغني هذا المبلغ ولم أعصِ الله طرفةَ عين!