لا تحكموا عليهم من قَصَّات شُعورهم.. لكلِّ جيلٍ قَصَّة!
قبل نهايةِ السَّبعينات من القرنِ الماضي كان في جزيرة تاروت ثلاثة أو أربعة دكاكين حلاقة وتزيين رِجال يعمل فيها رجال من تاروت، وكانت الأجرة ريالا واحدا حلاقة بالموس قبل أن تتطور إلى حلاقة بالماكينة اليدويَّة بريالين. لم يحتج الحلَّاق أن يسألَ الزَّبون عن نوع قَصَّة الشَّعر، فإمَّا الرِّيال أو الرِّيالين!
حضرتُ عرسًا قبل ليالٍ - في تاروت أيضًا - وكانت قَصَّات الشبَّان عددَ الحصى، الطويل.. القصير.. المتدرجة.. العادية.. المنكوش.. وغيرها من الأسماء، مع أني رأيتها غريبةً لكن جميلة أيضًا، والقمصان عليها كتابات ودعاية كأنها صحائف من قماش. على أثرها بدى واضحًا كيف تغيرت الموضة ولا تزال من جيلٍ إلى جيل!
اسمحوا لهم بزهو الشَّباب البريء، إذا كان - فقط - في قَصَّة شَعر، أو قميص عليه كتابة لا خدشَ فيها، فهي لزوم ما لا يلزم في فترة الصِّبا! أتى عليُّ بن أبي طالب عليه السَّلام سوقَ البَزازين فقال لرجل: بعني ثوبين، فقال الرَّجل: يا أميرَ المؤمنين، عندي حاجتك: فلمّا عرفه مضى عنه، فوقفَ على غلام، فأخذ منه ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم، والاخر بدرهمين، فقال: يا قنبر، خذ الذي بثلاث دراهم. فقال قنبر: أنتَ أولى به، تصعد المنبر، وتخطب النَّاس. فقال له: أنتَ شابّ، ولك شره الشَّباب!
قنبر كان شابًّا ولم يكن عيبًا أن يكون فيه شره وجمال الشَّباب! فلا بأس بالقَصَّات والملابس وغيرها من المتغيرات، إذا بقيت القيم وتطورت، كل شيء يهون حينها: وإنَّما الأممُ الأخلاق ما بقيت ** فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
يظن كلُّ جيلٍ من البشر أن الشَّمسَ تشرق من أجله وتغرب من أجله - وحده - دون سواه! والواقع أنَّ هذا الجيل أيضًا سوف يكون منه الطَّبيب والمهندس والتَّاجر، أما القصَّات فهي تأتي وتذهب. فلا بأس أن تتغير المظاهر وتبقى الأخلاق، وأرجو أنَّ ذلكَ ما هو حاصل في شبَّانِ اليوم. هم شباب وليسوا شيوخًا مثلنا، ولا يجوز أن نحكمَ عليهم من قَصَّاتِ شعورهم وقمصانهم. وسوف يأتي يوم يسخرون فيه من صورهم وذكرياتهم عندما يشاهد أحفادهم بعضَ نماذج قَصَّات شعورهم، حتمًا سوف يضحكون ويتمنون أن لو كانت قَصَّة جميلة وعاديَّة!
ثمَّة ملاحظة أخرى وهي إن كانت هذه القَصَّات وغيرها من المظاهرِ والسلوك تزحف وتنحدر من بعيد، من خارجِ مجتمعنا إلى داخله، فماذا يرتقي من داخلِ مجتمعنا إلى خارجه إذًا؟!