آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

استحواذ أم مشاركة فاعلة

المهندس أمير الصالح *

في أيام مدارس الابتدائية، كنا نتهيب كطلاب من المشاركة في الإذاعة المدرسية. وكنا نعتبر من يشارك من زملائنا الطلاب في الطابور الصباحي، ويتحدث وهو ممسك المايكرفون أمام جمهور طلاب المدرسة، بأنه طفل شجاع جدا. قد يكون الشعور حينذاك لدينا بأن الطالب المتحدث أمام الحشود هو طالب شجاع. وقد يعود ذلك وجود رهبة مصطنعة في مواجهة الجمهور وهي تراكمات متخمة في أذهاننا. والتحدث عبر جهاز مكبر للصوت لعدة مرات يجعل من المتحدث الطالب الصغير أكبر من عمره وحجمه. طفولتنا البريئة كانت تقرأ الحدث في هذه الحدود الضيقة فقط.

جملة اعتراضية: شكرا لكل إدارة مدرسية أجادت صقل مواهب الإلقاء لدى الأبناء الطلبة منذ المراحل الأولى للدراسة.

كبرنا وكثرت منابر الميكرفون في حياتنا عبر التلفاز، وفي التجمعات والأعراس والاحتفالات ودور العبادة والندوات. ففي مقاعد الجامعة كنا كطلاب نعتقد بأن من يتحدث عبر المايكرفون هو الأكثر علما والأكبر اطلاعا على موضوع الطرح والنقاش، ونعتقد ضمنا بأن لدى المتحدث القدرة على الحوار. وفي دور العبادة، كنا نعتقد بأن كل من يتحدث عبر المايكرفون هو واعظ متمكن وزاهد، وقد وصل مرحلة كبيرة من مراحل العلم والإلمام واليقين بتفاصيل ما يود أن يوصي به للآخرين، أو يقنع به المصلين.

إلا أننا، وبعد أن بلغنا عمرا عتيا من الزمن ومع زيادة معدل تفعيل خاصية التفكير الناقد Critical thinking, وبعد خوض عدة تجارب واقعية في عالم إدارة المايكرفون، وجدنا بعض الحقائق المتناقضة، وأن الصورة الفعلية ليست مطابقة للهالة الذهنية والتصورات التي نشأنا عليها في طفولتنا أو كما أسرد لنا بعض كبار السن. بل إننا وجدنا في بعض الأحيان أن هناك صراع على المايكرفون في بعض الأماكن. وإنه في بعض الأحيان نرصد أن بعض الميكرفونات توظف كأداة من أدوات المماحكة والسيطرة والاحتكار والتسويق والنفوذ والاستفزاز والاستحواذ والمجاملة والتلميع والإقصاء والتشويش والانشقاق. لن أخوض في التفاصيل، فكل من انخرط في العمل الإعلامي المؤطر بالتواصل الاجتماعي وحتى العبادي كتلاوة القرآن ورفع الأذان وقراءة الأدعية في دور العبادة بالمحافل العامة وجد في بعض الأماكن وجود تجاذبات معينة. وحيثما وجد مايكروفون، فإنهم عاينوا بأم أعينهم في بعض الأماكن ما دار ويدور أو سيدور خلف وأمام الكواليس من تجاذبات وتوظيفات متضاربة.

هنا نطلب من كل من يُعطى النفوذ والسلطة على إدارة أي مايكروفون سواء في دور عبادة أو دور علوم أو جامعة أو معهد أو تجمع أو احتفال أو مهرجان بضرورة احترام عقول الحضور وذائقتهم الأدبية والعلمية والاجتماعية. وضرورة احترام أوقاتهم وإتاحة الفرصة للكفاءات للمشاركة وتبريز الأفضل. كما ننوه بضرورة أن يزهد العقلاء، وإن كانوا الأكفاء عن منصة الإلقاء ونبذ عشق البروز عبر المايكرفون إن كانت تولد أي حالة من حالات الرياء أو النفاق أو المفاخرة أو الانتفاخ الكاذب أو التجاذبات الاستقطابية.

ونطلب في ذات الوقت من المستمعين إيصال رأيهم بطرق لبقة وموجزة ومعبرة وواضحة لأصحاب الميكرفون وأصحاب المكان. وكذلك نؤكد على جزئية رفض الاستخفاف بالمستمعين أو إهدار أوقاتهم التي هي جزء من حياتهم أو فرض آخرين أنفسهم على المستمعين.

ملحوظات:

1 - ما تم كتابته عن المايكرفون ينطبق في بعض وجوه كل أدوات الإعلام الأخرى المسموعة والمرئية.

2 - نشكر كل من حسن في إدارة أي منصة أو ميكرفون بالاهتمام بالمحتوى وما ينفع الناس في الدارين وإدراج مشاركة أكبر قدر من أبناء المجتمع وضمان تكافؤ فرص المشاركة.

3 - نقترح تفعيل خاصية تدوير الإدارة داخل كل إدارة لاي ميكرفون لكسر الاحتكار وضخ دماء جديدة وصنع قيادات جديدة

4 - حسن توظيف منصات الاجتماعية والميكروفونات ينم عن حب الوفاق واللحمة والتجانس داخل ذات المجتمع.