آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

ثقبت سفينتي وأعلنت الغرق

عبد الباري الدخيل *

وضعتْ الشاي أمام زوجها وجلست تشاركه مشاهدة الفيلم.

استوقفتها لقطة للممثلة وهي تدخل المنزل، وتقف مسندةً ظهرها للباب وقد أغمضت عينيها محتضنة معطفها.

وبقي الممثل واقفًا في الخارج ينظر للبيت، ويحدّث نفسه: متى ستعترف لها بحبك؟

وضعت كوب الشاي من يدها وسألته: ”عباس.. متى حبيتني“؟

نظر إليها متعجبًا من السؤال وتوقيته.. ثم أسند رأسه للخلف وقال: بصراحة؟!

وأخذ ينظر إليها مبتسمًا ثم وضع يدها بين يديه وأكمل: لا أعلم متى أحببتك، لكن بعد أربعة أشهر من زواجنا عندما سافرتِ لأداء الحج، أحسستُ بالشّوق يخترق صدري، والوحدة تنتهك سريري، فقلت: أهذا هو الحب؟

ما أجمله من طعام للرّوح، وما أقساه من عذاب للقلب.

ماذا يفعل بنا الحب؟

قالت: فقط يفتح باب الليل لنبدأ السهر.

ويطرق النوافذ ليشعل نار الشوق في وسادات الراحة.

قال: أتذكر أنني كتبت شيئًا عن ذلك، ثم فتح جواله وأخذ يقرأ:

الحب هو التقارب حتى لو تباعدت الدور..

هو الإحساس بالشوق حتى لو كان الفراق قبل دقيقة.

هو أن تسمع ”صباح الخير“ بدفئ خبز غادر التنور للتو.

وجعل ينظر لوجهها الذي زاد إشراقًا ثم جرّ نفسه وأتم: هو أن تنظر للإبتسامة فتشاهد الفجر، وتسمع الأنفاس كأنها عصافير تغرد.

ابتسم وهو يكمل: هو دفئ اليد، وبرودة القلب، وشوق العين، واطمئنان الروح.

ثم همس: هو ما يحسه المحب ولا يستطيع شرحه لأحد.

اعتدل في جلسته وقال مع شيء من التأمل: لذلك فور عودتك احتضنتك كأني أعوض ما فاتني، أو كأنني املئ خزّاني بالوقود، كنتِ بمثابة مطلع الفجر لتائهٍ قد خاف العتمة.

***

قالت: ”تدري متى حبيتك؟“

قال: لا

قالت: أتذكّر يومًا تعطلت سيارة أخي وجئت أنت لتوصلنا؟

كان حديثك مع أخي ساحراً.

أخي مهدي نموذجي المفضل، قدوتي، الرجل الذي تبهرني ثقافته، ويأخذني حديثه، كان مثقفًا موسوعياً، ومتحدثاً لبقاً، ومتواضعاً لا يشعر المستمع بعلو أو تكبّر.

كنتَ تشبهه كثيرًا، وكنتُ أستمع لحديثك منبهرة، مسحورة، كأني أنظر لساحر يجري لعبة التنويم المغناطيسي.

في الليل أسندت رأسي للوسادة وأعدت شريط الرحلة القصيرة، الجميلة، ثم التفتُ إلى أختي وقلت: ”ليلوه.. قلبي دق“.

ليلى: أخيراً.. وقفزت وجلست على طرف سريري: ”مين سعيد الحظ؟“

أجبتها وأنا كالطائرة بين السحاب: ”عباس صاحب مهدي“.

”حبيبي أبوفاضل عطني جوالك“.. أخذته وكتبت: ”رأيتك البحر فثقبت سفيتني وأعلنت الغرق“.

ثم نظر لها بعيون مسحورة وأمسك بيدها وقد أحمرّ وجهها خجلًا من نظراته وقال: أنت فقط، ونقطة على السطر.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
رائد الاحمد
[ المملكة العربية السعودية ]: 11 / 4 / 2023م - 1:17 م
جميل كاتبنا قصة جميلة بها اجمل المعاني تحياتي لك يالغالي