آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

احترام أم اهتمام

المهندس أمير الصالح *

يهتم عدد كبير من الشباب بحيازة اهتمام الآخرين. فترى البعض يتخذ من السناب شات أو اليوتيوب والتيك توك قنوات للفت الانتباه نحوه وبأساليب مختلفة مثل التهريج أو العنف أو الصراخ أو المناكفة العبثية أو التهكم أو التفحيط أو إصدار أفعال شائنة. والواقع أن كلا منا في سن معين احتاج أو يحتاج إلى أن يلفت انتباه الآخرين نحوه لإحراز إعجابهم وإيجاد قبول اجتماعي بينهم واستحصال ثقتهم وأخذ وضع معين بينهم. ومع زيادة مستوى النضج لدى هذا أو ذلك الإنسان نرى بأن إحراز الاحترام أهم لديه من لفت الانتباه له. لأن بعض أساليب وأدوات الانتباه قد تجلب المتاعب للباحث عنها وتضعه ضمن أطر محددة يستجدي فيها قبول الآخر بشكل حثيث ومستمر. وقد يصل بالبعض بأن يبيع جزء من كرامته من أجل جلب الانتباه له. والبعض من الناس يصر على بناء شخصيته ضمن معايير كرامة عالية فيكسب الانتباه والاحترام معا ولو بعد حين من الزمن.

ادعي ومنطلق ادعائي هو الملاحظة الاجتماعية، بأن الاهتمام بجلب الانتباه يطرأ على الشخص الذكر من سن السادسة وحتى سن الخامسة والخمسين عاما والأنثى من سن السادسة وحتى آخر عمرها. وحسب ما أرى، ففي مقتبل العمر يكون الإنسان غير مدرك لمفاهيم مثل الاحترام فيخلط بين مفهوم الاحترام والقبول فيعمل أعمالا لجلب الانتباه نحوه. وفي مراحل أخرى لاحقة من العمر يستخدم ذات الشخص أدوات الانتباه لتبريز وتسويق ذاته ليشق طريقه ويبني علاقاته وقد يكون الهدف والغاية الحصول على وظيفة أو الاقتران بزوج. وفي مراحل متأخرة من العمر يكون الإنسان بحاجة للرعاية فيحدث جلبة ويتصنع أزمات ليلفت انتباها من حوله ويحظى برعايتهم وتحننهم عليه.

نعم من يكون عقله راجحا والحكمة تفوح من ثنايا سلوكه و. أقواله وكتاباته، فيميز المرحلة الملكية من عمره مبكرا ويقنع بمكاسبه ولا يعير اهتماما بموضوع لفت الانتباه نحوه ويعيش الاحترام لذاته ويطمع فيما عند الله وييأس فيما عند أيدي الناس، فقد رزق رجاحة عقل تستحق الغبطة.

هنا يبرز سؤال: كيف بخلق الإنسان الاحترام من حوله؟ قد يقول البعض: أن يكون الإنسان عطوفا ودوداً، رزين، يتكلم بالحق، يبتعد عن الجدال ويعرض عن الفجور، مبادر في صنع الحلول، يتحقق من الأمور بدل استخدام الافتراضات وإصدار الأحكام جزافا، يحسن العشرة مع الآخرين ودمث الخلق، يتعلق بالحق وأهله قولا وعملا ويلتزم بأداء الواجبات ويقر بالحقوق للآخرين. فإنه حينذاك عد إنسانا محترما وسيقر من حوله بذلك ولو بعد طول زمن من التهميش. والاحترام يتم اكتسابه ولا يتم شراؤه أو البحث عنه في أروقة مهرجانات أو ديوانيات أو تهريج أو التلصق بأصحاب الأموال الطائلة أو بركوب سيارة فاخرة أو اقتناء منزل فخم. فالإنسان العصامي والمكافح والمعتمد على نفسه محل احترام وهو كفء له.

الرجل الطفولي Childish Man يعتقد أن الاحترام وجلب الانتباه هما نفس الشيء ولذا تراه يتصنع شخصية مزدوجة لجلب الانتباه. والواقع أن الإنسان الأصيل بانضباطه والتزامه بقيم الفضيلة ويبني مصداقيته في أعماله وأقواله فينجذب الناس الأسوياء والعقلاء لاحترامه بجداره. والإنسان المهرج والذي يتصنع ويطلق مفرقعات وأحداث صاخبة بين الحين والحين الآخر ينطفئ ذكره ويطمس حسه مع زوال أدوات تهريجه من مال أو منصب أو جمال جسد أو قوة بدن أو علاقة أو تفويض. بصورة مختصرة: الاحترام أهم من جلب الاهتمام لأن الاحترام يدوم وجلب الاهتمام يزول بزوال المؤثر.