آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

تريث فقد يكون استنتاجك خاطفا وخاسرا

المهندس أمير الصالح *

في بعض المواقف الإنسانية، يبني أحدنا بحدسه تنبؤا ما بناء على مشاهد تاريخية منقولة له بالوصف أو تجربة ذاتية يتيمة. وقد يصيب في بعض تخميناته، وقد يخيب في بعضها الآخر. الإشكال هو أن البعض يطلق تصريحات ويصدر أحكاما نهائية ويصنف البشر ويدخل هذا ويخرج ذاك من دائرة معينة. انحيازه نحو نتائج وافتراضات مسبقة في ذهنه تجعله يتحاشى مراجعة إخفاقاته ويتمادى في غرورة ويصر على صحة تخمينه ولا يتراجع عن أحكامه وتوقعاته حفاظا على ماء وجهه وكبريائه ونسى أو تناسى ضحاياه.

في عالم السلوكيات الإنسانية كما في عالم تحليل سلوك مضاربي الأسهم مثلا، نعلم علم اليقين أن حمل شهادة أكاديمية أو تجارب سفر متعددة أو إجادة مهارة في الإقناع وحسن السرد عند الحديث لا تعطي الإنسان الحق في مجانبة الحق ومجافاة الحقيقة. فالأمانة العلمية تتطلب من الإنسان الأمين والصادق والموضوعي والنزيه الابتعاد عن لي عنق الحقيقة أو توظيف سوء الظن من طرفه على كل ما يدور حوله. لان الظن لا يغني عن الحق شيئا.

قد يوفق أي شخص في تحليل وتخمين نهاية حدث درامي في فيلم أمريكي أو مسلسل مكسيكي. وقد يطلق بعضهم تصريحات علنية عن تنبؤاته لما قد تنتهي به قصة المسلسل أو الفيلم بمجرد مشاهدة حلقة واحدة من المسلسل. أما في العلاقات الإنسانية، فإن دخول شخص ما في منزل ما أو ديوانية ما أو مجلس ما، لا تعطيه شهاداته الأكاديمية ووجاهته الاجتماعية ورصيده المالي الكبير الحق في إطلاق تصريحات واستنتاجات سلبية ضد الأشخاص الآخرين بمجرد أن تحليله أو منطقه التحليلي وانطباعه الأولي يسوغ له ذلك.

على كل منا كعقلاء التريث قبل إطلاق أحكام معينك وتحليل تخريصي خاطف وسريع وسلبي عن شخص أو أي مجموعة بشرية أو مجتمع ما أو وطن ما، لأن ذلك التحليل والحكم السلبي التعميمي قد يدمر علاقات إنسانية ويقطع جسور مودة ويهدم روابط نسبية متوخاة ويبيد صلات رحم ممدودة ويلوث سمعة أناس محترمين.

لك أن تتخيل ما بعد الحدث وسالت أحد القراء الكرام السؤال التالي: هل يمكن ترميم علاقة روابط إنسانية بعد هدمها بمعول سوء الظن والتجريح بالقول تحت عنوان الاستنتاجات الخاطفة دون أدلة دامغة ومعرفة معمقة ببواطن الأمور؟!

الجواب قد نسمع أجوبة متنوعة بصيغ ومنها احتمال:

يعتمد على

1 - أهمية العلاقة وحساب النفع والخسارة

2 - إذا كانت العلاقة تستحق الحفاظ عليها وأطرافها سليمي النية وكل الأطراف غير مكارين

3 - إذا كان الشخص المسؤول عن هدم العلاقة مدلسا فإنه أحدث انبعاجا في العلاقة قد يكون من الأفضل قطع العلاقة به بدل ترميمها

4 - إذا كان الشخص المسؤول عن إطلاق تصريحات غير رصينة تعرض لمبادئ وقيم وخطوط حمراء فمن الأولى الابتعاد التأديبي عنه حتى يبدي المتسبب الندم ويصرح بالاعتذار ويلتزم بالآداب

5 - مستوى كسر الثقة. وقد يكون كسر الثقة وصل إلى مرحلة لا بمكن ترميم الثقة بين الأطراف لحدوث شرخ كبير

وقد يقول آخرون:

يمكن معالجة بعض أحوال سوء الفهم ب طلب وتوجيه أطراف الخلاف، كالقول:

6 - صلوا على النبي أنتم ربع

7 - أنت تأسف له وهو يقبل اعتذارك، المسامح كريم

8 - الزمن كفيل بمداواة الجروح وأنتم أهل وربع

نناشد كل ذا بصيرة وعقل راجح أن يتقي الله قبل أن يصدر قول أو فعل أو غمز أو لمز في حق الآخرين، فنحن كمجتمع فليشد الحاجة لرص الصفوف ومد جسور الإخوة وتعميق المودة بين أبناء المجتمع.

كواجب أخلاقي ونحن على مشارف شهر الرحمة والبركة، يسرني أن أطلق نداء ومبادرة في الفضاء الرقمي بعنوان: مد وترميم جسور العلاقات الاجتماعية وتجنب قصفها. نحن بحاجة شديدة إلى الحفاظ على البناء الاجتماعي المتماسك والعمل على هزيمة الشياطين واخذال إبليس وتوطيد الرحمة والتعاون بين كل أطراف المجتمع. لان الخيارات الأخرى مثلا لتنابذ والكراهية والبغضاء نتائجها كارثية على الجميع. هناك جملة نقتبسها ونصها: ”بعض الناس أصبحوا منعزلين لأنهم اشادوا حوائط حول أنفسهم بدل بناء جسور مع الآخرين“. تدوير تلكم الجملة بعقل حكيم يحفز الإنسان على أن يكون أكثر ورعا وتقوى وصدقا وأمانة مع نفسه عند التعامل مع الآخرين. أتمنى للجميع شهر رمضان مبارك والنجاح في تزكية وتهذيب النفس.