آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

المائدة

المهندس أمير الصالح *

المائدة هي نقطة من نقاط تجمع أفراد الأسرة أو الأحبة بهدف تناول ألذ وأشهى الأطعمة وتجاذب أطراف الحديث وتفقد أفراد الأسرة وتدارس يوميات أفرادها والاستماع إلى كل جديد وكل نافع.

سورة المائدة نقرأها تعبدًا لله الواحد الأحد ونستخرج كنوز معانيها ونوظف المفاهيم التي تزرعها في نفوس أهل العزة والإباء والكرامة. يقول بعض المفسرين أن سورة المائدة نزلت على قلب النبي الأكرم ﷺ في السنة العاشرة بعد الهجرة أي قبل رحيل النبي من هذه الدنيا بأربعة أشهر أو نحوها. وتتضمن السورة عدة عقود وعهود بين المؤمنين ورب العالمين. سورة المائدة، آية 1، صفحة 106، ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ. من الفوائد المجنية عند التعبد الصادق بتلكم السورة، وهي خطاب ونداء إلهي موجه للبشر كافة وللمؤمنين خاصة، السعي لتعزيز الأمن الغذائي وإحراز الاكتفاء الذاتي غذائيا والتأكد من طهارة وحلية الأكل الذي يدخل جوف الإنسان. فكما قيل عن لسان البعض: من يملك قوته يملك قراره.

حديثا، انصدم الأغلب منا، بقرار موافقة واعتماد مجموعة الإتحاد الأوروبي لبرامج تصنيع غذائي يسمح بإدخال مسحوق بعض أنواع الصراصير والحشرات في منتجات غذائية يستهلكها بني البشري! ووأطلقت المفوضية الأوروبية حملات إعلامية تبرر استخدام الحشرات كمصدر للبروتين تحت عناوين الاستدامة الغذائية. لك أن تتخيل أن الشوكولاتة والمعمول والكيك والمعجنات والخبز بكل أصنافه والسندويشات والحلويات مخلوطة بمسحوق الخنفس والديدان وبعض أنواع الصراصير. ولا نعلم ماذا يخبئ لنا المستقبل من مفاجآت تحت عنوان الاستدامة الغذائية أو الغذاء البديل أو … أو… الخ.

مع شديد الأسف رأينا كيف تهاون البعض في مسائل منشأ ومصادر اللحوم، حتى أن بعضهم لم يعد يكترث لموضوع تذكية وطهارة اللحوم حتى لو تم استيراد ميتة أو جيف أو لحوم حيوانات نافقة. ولكون سورة المائدة تحتوي على عدة مضامين فإن تفعيل محتوى بعض المضامين يحتاج لإرادات قوية جدا ومشاريع جبارة ونظرة طويلة الامد وصدق في الوفاء وضمير حي وتقوى لله العلي العظيم. سورة المائدة، آية 3، صفحة 107 ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ تصدح بضرورة إحراز الأكل الطاهر الطيب وتحريم أكل الجيف وما ورد بالآية الواضحة أعلاه.

الامن الغذائي:

اضحى واضحا ان ذائقة الاكل من المفترض ان لا تُناط لاطراف أخرى لا تحمل ذات المفهوم لطهارة الغذاء. وانما على المجتمع الاصيل التسابق بين افراده لصنع هويته في الاكل واسلوب الحياة واللبس وانماط التسلية و… الخ. لنتذكر مقولة: ضياء القلب من اكل الحلال «الامام علي ». واضحى واضحا ان بعض الامم فشلت في ادارة الامور ومنها الغذاء للعالم، ففرضت حلول تسقط كرامة الانسان. وحان لها ان تتنحى عن موقعها وريادتها لما اخفقت فيه. ففي الوقت الذي شُنع على الصينين اكلهم الخفاش رأينا ذات الجهة المشنعة تسويق وتحسين صورة اكل طحين الخنافس؟! ارجو من الاوفياء في كل امة تسعى لكرامتها ان تعطي ملف الامن الغذائي اللائق اولوية تامة وقصوى.

شواهد واقع العالم الحالي وتعثره في عوالم الجريمة واستهلاك المحظورات وتجارة البشر ورواج الخدرات وانتهاك الحرمات وكثرة الاجهاض وتزايد عدد اللقطاء وشيوع النصب والاحتيال وافتقاد الامن وقتل الانفس المحترمة والقلق المتزايد من المستقبل وانتشار الرذيلة والكوميديا السوداء وانتشار الافلام الحمراء احد اسبابه قساوة بعض القلوب ونجاسة بعض العقول ودناءة بعض الانفس. فكما لفكرة استحضار يوم القيامة في النفس من آثار في السلوك كذلك الأكل الطيب له آثار في ترجيح اعمال الخير على افعال الشر.

رسالة شكر: شكرا لكل فلاح ومل مزارع سعى ويسعى لزيادة الانتاج الغذائي المحلي. شكرا لكل صاحب حقل قمح أمين امتنع عن خلط منتوجه ب خنافس وصراصير الحقول. شكرا لكل صاحب مزرعة حيوانات ودواجن حرص على تذكية لحومه شرعا واهتم بنظافة اللحوم. شكرا لكل مسؤول حرص على تامين موارد غذاء نظيفة. وكل مراقب صحي يتاكد من مطابقة الاغذية للمواصفات الصحية والذوقية والاحترازية والشرعية. شكرا لكل صاحب مفرخة ولكل صاحب ملحمة لم يبيع ضميره من اجل حفنة دراهم ودنانير. شكرا لكل من وقف بنفسه لمنع بيع الميتة والنطيحة والمتردية. شكرا لمن لم يبيع تراخيص مخابزه أو مزرعة ابقاره أو مفرخة دجاجة لايدي وضمائر متسخة.