آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

الحب العفيف

المهندس أمير الصالح *

قيل لأحدهم: لماذا قصة الحب الأول قصة لا تُمحى من ذاكرة البعض من الناس؟!

فرد وهو متكئ وقال باللغة الانجليزية: The pioneers of anything are always forever remembered.

فندس أحدهم من هو بجانبه: لطفا ترجم لنا ما قاله فلان بن فلان. أنا لم أفهم من كلامه شيء.

فترجم له جاره بالمجلس، قائلا: ”الرواد الاوائل لأي شيء، أسماءهم تُذكر وللأبد“

ثم علق الآخر: الحب الأول لا يُنسى لأن استطراق مشاعر جديدة في حياة الشخص سواء كانت مشاعر قاسية أو مشاعرجميلة ستكون محفورة بالذاكرة للأبد بالنسبة له ومنها مشاعر الميل العاطفي للجنس الآخر كتجربة جديدة ورائدة؟

تدحرج الكلام بالكلام، فقال أحد الحضور: ما زلت أتذكر أول مرة أكلت قطعة لحم ستيك. وما زلت أتذكر أول مرة ذهبت لمدينة ألعاب، وما زلت أتذكر أول مرة قدت فيها السيارة، وما زلت أتذكر أول مرة ذهبت إلى المدرسة. لأن المشاعر المنبعثة تولدت لدي كمشاعر عاطفية جديدة لكونها تجارب أولى في حياتي. فالحب الأول الحقيقي نحو أي فتاة حتما سيعلق في ذهن صاحب التجربة لمدة ليست بالقصيرة وقد تكون للأبد.

هنا قاطعة أحدهم، فقال: عفوا أي شيء عرضة للنسيان. إذا كانت حياة ذلك الشخص في حراك دائم وديناميكية مستمرة فإنه فقط وفقط يعلق في ذهن الإنسان خلاصة التجربة وليست تفاصيلها ومنها علاقة الحب سواء الأول أو الأخير. فالحقيقة هي: يريد الرجل دائمًا أن يكون أول حب للمرأة. وتحب المرأة أن تكون آخر قصة حب للرجل.

هنا انبرئ أحد الحضور قائلا: عفوا. لا أشاركك وجهة النظر هذه. الملاحظ هو أن من يمر بتجربة الحب الأول يكون عاطفيا مندفع ومخلص وطاهر وقد يكون ساذج. وعند فشل التجربة الأولى يُسيج قلبه بعدة محاذير تجعل إقامة أي علاقة حب جديدة تمر عبر بوابات عديدة لكي لا يقع في أخطاءه القديمة. ولذا تكون علاقة الحب الأولى، علاقة مخزون تجارب يستلهممنها ذاك الفرد ويستنطق أي تجربة جديدة. ولذلك هي تعلق في ذهنه كمرجعية لتجاربه الجديدة.

علق شخص آخر: مع تقدم العمر ورجاحة العقل وزيادة الحكمة في نفس الإنسان يعي ذاك الإنسان المحب بأن الحب ليس أعمى وإنما هو صراع بين العقل والقلب. ونتيجة ذاك الصراع هو من يحدد توجه الإنسان. فمن يغذي عقله فإنه يوزن الأمور بميزان الحكمة ووضع الأمور في نصابها الحقيقي. ومن غذى عواطفه وقلبه فحتمًا سيعيش في هيام ذاكرته لمن هو أحب حتى لو انفصل عنه.

فقلت: أشكر لكم هذا المقدار من المداخلات. ويبدو لي من خلال ما سمعته منكم من تعليقات يستوجب على الإنسان ومنذ بداية حياته أن يكون فطن في اختياراته وقنوع في تطلعاته وشاطر في التحكم بعواطفه ومهذب لسلوكه ومروض لقلبه ومفعل لدور عقله. فالحب الأول استثمار وقت وجهد وقلب وذهن ومال وعواطف. ومن الفطنة أن يكون الحب الأول هو نفسه الحب الأخير. ومن يسقي الحب الأول بكرم وجميل المعاملة ولبق الكلام وحسن الحفاوة وجزيل السخاء والاحترام والوفاء، فإن ذات الحب سينمو وينمو ومع مرور الزمن يظل ذاك الحب الأول هو الحب الأخير. وحين ذاك يكون لدينا حالة جميلة وأسرة مستقرة ومجتمع ناجح ووطن مزدهر مبنية على الحب العفيف