آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:42 ص

أين ذهب الخضر (ع)؟!

المهندس أمير الصالح *

ذُكر اسم العبد الصالح والمسمى بالخضر على إنه تجلي واضح لمن هم علماء ومتحدثين ومبدعين وأتقياء متواضعين يجهلهم عامة الناس ويسفه قيمتهم أهل الدنيا وممن اُبتلي بالغرور وحب متاع الدنيا. وقد لا يعلم بوجودهم وجلال قدرهم غير الله جل جلاله وثلة من عباده الصالحين. توارى الولي الصالح المسمى بالخضر عن أنظار الناس بعد ورود قصته المليئة بعلوم الغيب وانكشاف الواقع له مع نبي الله موسى . ولم يرد منذ ذلك الحين أي مورد يوثق للقاء آخر بين العبد الصالح المُلقب بالخضر مع أحد عظماء البشرية أو عامة الناس سوى بعض روايات قليلة جدا في بعض كتب صدر التاريخ الاسلامي. سأقتبس من قصة لقاء الخضر قبس نور لعلي وإياكم نستضيئ بها في حياتنا العملية والعلمية والتربوية.

هناك عدد ليس بالبسيط من أهل العلم والفضل والمعرفة والثقافة المفيدة والأدب الجم وحاملي الهم الاجتماعي والتربوي في أواسط كل مجتمع ممن لم تتاح لهم الفرصة للبروز الاعلامي والتسويق لأفكارهم الراشدة وبرامجهم الناجحة ومعالجاتهم الراشدة في الأوساط الاجتماعية في عدة منعطفات وتحديات ومعضلات لأسباب بعضها نجهلها وبعض منها نُخمنها، وبعض منها نُرجحها، أو نحتمل وقوعها، وبعض منها نعلم بعض جزئياتها. في تلكم الأزمنة الغابرة أي أيام الأنبياء، وسائل التواصل الاعلامي بين أبناء المجتمع شبه شحيحة أو منعدمة أو مقتصرة على مواسم سنوية. واكتشاف المعلومة ومصداقيتها والتحقق منها يحتاج تزكيات من أهل الورع والتقوى والصلاح. ولكون التاريخ يكتبه الأقوياء، غاب أو غُيبت أسماء علمية كثيرة وأخبار وتفاصيل أحداث مفصلية أو حُرفت بسبب قوة المال أو قوة المتنفذين أو أهواء متمولين.

في زمننا الحاضر، وفي كثير من المجتمعات، ليس بالغريب أن نرى من يهجر أو يعتزل أو ينأى عن المثاقفات والحوارات لرداءة مواضيع الطرح في تلكم المجتمعات وقلة مخرجاتها وغياب فنون وآداب الحوار الموضوعي فيها، وكثرة المقتاتين على المصالح العامة وغياب روح الارتقاء والإصلاح العام في نفوس أخرى وانتهاك بعض المنافقين للحقائق وارتفاع مستوى الفجور في الخصومة. وتتعقد صور تضارب المصالح في المشاهد الاجتماعية بزيادة مؤشر الانحياز الجارف للمدح والتملق والرياء والاطراء لأفراد دون أفراد وحب الوجاهة، والخنق الطاغي للنقد العلمي الموضوعي البناء لبعض العادات والسلوكيات critical thinking. وهذا يفسر غياب كثير من أهل البناء الفكري الهادف في مجتمعات عديدة وتصدر المشهد لمن هم غير عابئون بما قد تؤول إليه مجتمعاتهم من خسارة اقتصادية وأدبية وعلمية وحضارية وأمنية وأخلاقية. فحق أن يسأل الإنسان: أين ذهب أهل التقوى من أمثال الخضر المفكر والراشد والمبادر في بعض المجتمعات.

هل أولئك الأوفياء أصبحوا: بين الانعزال الاختياري self isolation أو الخوف من النبذ «fear of rejection» أو همشهم الناس أو اُبعدوا عن الأدوات التي تصل بهم إلى الناس أم أساليب بعضهم لم تعد مجدية أم ماذا؟!. ومن الخاسر في كل الأحوال:

  1.  ما يمكن وصفهم بالسيد الخضر أو
  2.  المجتمع الانساني المحيط بهم؟
  3.  أم أن دائرة السلوكيات في المجتمعات تشبه دائرة الدورة الاقتصادية أي مثل لعبة الافعوانية roller coaster تارة في الأعلى وتارة أخرى في الأسفل؟!